تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (79)

وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) الآية ؛ يشبه أن تكون الآية صلة قوله : ( ومنهم من عاهد الله ) إلى قوله : ( وتولوا ) [ التوبة : 76 ] إن أهل النفاق كانوا أهل بخل ، لا ينفقون إلا مراآة وسمعة فظنوا بمن أنفق من المسلمين ، وتصدق /219-أ/ ظنا بأنفسهم ، فقالوا : إنهم أنفقوا وتصدقوا مراآة وسمعة .

ذكر في بعض القصة أن عبد الرحمن بن عوف أتى بنصف ماله في غزوة تبوك يتقرب به إلى الله وقال : يا نبي الله هذا نصف مالي أتيتك به وتركته نصفه لعيالي ، فدعا له نبي الله أن يبارك فيما أعطى وفيما أمسك ، فلمزه المنافقون ، وقالوا : ما أعطى إلا رياء وسمعة . وجاء رجل آخر من فقراء المسلمين بصاع من تمر فنشره في تمر الصدقة ، فقال له نبي الله خيرا ، ودعا له ، فقال المنافقون : إن الله لغني عن صاع هذا . فذلك لمزهم .

فأنزل الله تعالى : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) يعني الذي جاء بصاع . قال القتبي : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ) أي يعيبون المطوعين بالصدقة ( وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) أي طاقتهم ، والجهد الطاقة ، وقال : والجهد المشقة .

وقال أبو عوسجة : الجهد إنفاق الرجل من الشيء القليل ؛ يقال : جهد الرجل إذا كان من الضعف أو الفقر ، ويقال : جهد في العمل يجهد جهدا ، فهو إذا بلغ في العمل . قال أبو عبيد : الجهد الطاقة كذلك قال أبو معاذ . وفي الآية معنيان :

أحدهما : دلالة إثبات رسالة رسول الله لأنه معلوم أنما كان منهم[ في الأصل : منه ] من اللمز لم يكن ظاهرا ولكن كان سرا . ثم أخبرهم رسوله بذلك . دل إنما عرف بذلك بالله .

والثاني : أن الأمور التي في ما بين الخلق تحمل على ظاهرها و إن كان في الباطن على خلاف الظاهر حين[ في الأصل حيث ] عوتب هم بما طعنوا فيهم بالرياء والسمعة ليعلموا أن الأمور التي ما بين الخلق تحمل على ظواهرها ولا ينظر فيها إلى غير ظاهرها .

والحقيقة هو ما بطن وأسروا به يخلص العمل لله والسر هو ما يسر المرء في نفسه ، والنجوى اجتماع جماعة على نجوة من الأرض أي المرتفع من المكان .

وقوله تعالى : ( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) قال بعضهم : إن من اعتذر إلى آخر ، فيقبل عذره على علم من المعتذر أنه لا عذر له في ما يعتذر إليه وأنه كاذب في ذلك ، فقبول المعتَذَر إليه ما يعتذر من المعتذر سخرية من المعتذَر إليه من[ في الأصل إلى ] المعتذر .

وقال بعضهم قوله : ( سخر الله منهم ) أي يجزيهم جزاء السخرية فسمى جزاء [ السخرية ][ ساقطة من الأصل ] باسم السخرية ، وإن لم يكن الجزاء سخرية كما سمى جزاء السيئة سيئة ، وإن لم تكن الثانية سيئة . وكذلك سمى جزاء الاعتداء ، وإن لم الثاني اعتداءا . فعلى ذلك سمى جزاء السخرية سخرية وإن لم تكن سخرية .

ويحتمل قوله : ( سخر الله منهم ) أي سخر أولياء الله منهم ، فأضيف إليه . وكذلك يحتمل قوله : ( الله يستهزئ بهم )[ البقرة : 15 ][ ساقطة من الأصل ] أولياؤه ، وقوله ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا )[ الحديد : 13 ] فذلك استهزاء بهم . وكذلك جائز في اللغة إضافة الشيء إلى آخر والمراد[ الواو ساقطة من الأصل ] منه غير المضاف إليه .