وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ) الآية ؛ يشبه أن تكون الآية صلة قوله : ( ومنهم من عاهد الله ) إلى قوله : ( وتولوا ) [ التوبة : 76 ] إن أهل النفاق كانوا أهل بخل ، لا ينفقون إلا مراآة وسمعة فظنوا بمن أنفق من المسلمين ، وتصدق /219-أ/ ظنا بأنفسهم ، فقالوا : إنهم أنفقوا وتصدقوا مراآة وسمعة .
ذكر في بعض القصة أن عبد الرحمن بن عوف أتى بنصف ماله في غزوة تبوك يتقرب به إلى الله وقال : يا نبي الله هذا نصف مالي أتيتك به وتركته نصفه لعيالي ، فدعا له نبي الله أن يبارك فيما أعطى وفيما أمسك ، فلمزه المنافقون ، وقالوا : ما أعطى إلا رياء وسمعة . وجاء رجل آخر من فقراء المسلمين بصاع من تمر فنشره في تمر الصدقة ، فقال له نبي الله خيرا ، ودعا له ، فقال المنافقون : إن الله لغني عن صاع هذا . فذلك لمزهم .
فأنزل الله تعالى : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) يعني الذي جاء بصاع . قال القتبي : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ) أي يعيبون المطوعين بالصدقة ( وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ) أي طاقتهم ، والجهد الطاقة ، وقال : والجهد المشقة .
وقال أبو عوسجة : الجهد إنفاق الرجل من الشيء القليل ؛ يقال : جهد الرجل إذا كان من الضعف أو الفقر ، ويقال : جهد في العمل يجهد جهدا ، فهو إذا بلغ في العمل . قال أبو عبيد : الجهد الطاقة كذلك قال أبو معاذ . وفي الآية معنيان :
أحدهما : دلالة إثبات رسالة رسول الله لأنه معلوم أنما كان منهم[ في الأصل : منه ] من اللمز لم يكن ظاهرا ولكن كان سرا . ثم أخبرهم رسوله بذلك . دل إنما عرف بذلك بالله .
والثاني : أن الأمور التي في ما بين الخلق تحمل على ظاهرها و إن كان في الباطن على خلاف الظاهر حين[ في الأصل حيث ] عوتب هم بما طعنوا فيهم بالرياء والسمعة ليعلموا أن الأمور التي ما بين الخلق تحمل على ظواهرها ولا ينظر فيها إلى غير ظاهرها .
والحقيقة هو ما بطن وأسروا به يخلص العمل لله والسر هو ما يسر المرء في نفسه ، والنجوى اجتماع جماعة على نجوة من الأرض أي المرتفع من المكان .
وقوله تعالى : ( فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) قال بعضهم : إن من اعتذر إلى آخر ، فيقبل عذره على علم من المعتذر أنه لا عذر له في ما يعتذر إليه وأنه كاذب في ذلك ، فقبول المعتَذَر إليه ما يعتذر من المعتذر سخرية من المعتذَر إليه من[ في الأصل إلى ] المعتذر .
وقال بعضهم قوله : ( سخر الله منهم ) أي يجزيهم جزاء السخرية فسمى جزاء [ السخرية ][ ساقطة من الأصل ] باسم السخرية ، وإن لم يكن الجزاء سخرية كما سمى جزاء السيئة سيئة ، وإن لم تكن الثانية سيئة . وكذلك سمى جزاء الاعتداء ، وإن لم الثاني اعتداءا . فعلى ذلك سمى جزاء السخرية سخرية وإن لم تكن سخرية .
ويحتمل قوله : ( سخر الله منهم ) أي سخر أولياء الله منهم ، فأضيف إليه . وكذلك يحتمل قوله : ( الله يستهزئ بهم )[ البقرة : 15 ][ ساقطة من الأصل ] أولياؤه ، وقوله ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا )[ الحديد : 13 ] فذلك استهزاء بهم . وكذلك جائز في اللغة إضافة الشيء إلى آخر والمراد[ الواو ساقطة من الأصل ] منه غير المضاف إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.