تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرٗا لَّهُمۡۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٖ} (74)

{ يحلفون بالله ما قالوا } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام غزاة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ، ويعيب المنافقين المتخلفين ، جعلهم رجسا ، فسمع من غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين ، فغضبوا لإخوانهم المتخلفين ، فقال جلاس بن سويد بن الصامت ، وقد سمع عامر بن قيس الأنصاري ، من بني عمرو بن عوف ، الجلاس يقول : والله لئن كان ما يقول محمد حقا كإخواننا الذين خلفناهم وهم سراتنا وأشرافنا ، لنحن أشر من الحمير ، فقال عامر بن قيس للجلاس : أجل والله ، إن محمدا لصادق مصدق ، ولأنت أشر من الحمار .

فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، أخبر عاصم بن عدى الأنصاري عن قول عامر بما قال الجلاس ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عامر والجلاس ، فذكر النبى صلى الله عليه وسلم للجلاس ما قال ، فحلف الجلاس بالله ما قال ذلك ، فقال عامر : لقد قاله وأعظم منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما هو ؟" قال : أرادوا قتلك فنفر الجلاس من ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "قوما فاحلفا" فقاما عند المنبر ، فحلف الجلاس ما قال ذلك ، وأن عامرا كذب ، ثم حلف عامر بالله إنه لصادق ، ولقد سمع قوله ، ثم رفع عامر بيده ، فقال : اللهم أنزل على عبدك ونبيك تكذيب الكاذب وصدق الصادق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "آمين" فأنزل في الجلاس : { يحلفون بالله ما قالوا } .

{ ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } ، يعنى بعد إقرارهم بالإيمان ، { وهموا بما لم ينالوا } من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة ، { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم } ، فقال الجلاس : فقد عرض الله على التوبة ، أجل والله لقد قلته ، فصدق عامرا ، وتاب الجلاس وحسنت توبته ، ثم قال : { وهموا بما لم ينالوا } من قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، يعنى المنافقين أصحاب العقبة ليلة هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة بغزوة تبوك ، منهم عبد الله بن أبى ، رأس المنافقين ، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح ، وطعمة بن أبيرق ، والجلاس بن سويد ، ومجمع بن حارثة ، وأبو عامر بن النعمان ، وأبو الخواص ، ومرارة بن ربيعة ، وعامر بن الطفيل ، وعبد الله بن عتيبة ، ومليح التميمي ، وحصن بن نمير ، ورجل آخر ، هؤلاء اثنا عشر رجلا ، وتاب أبو لبابة عن عبد المنذر ، وهلال بن أمية ، وكعب بن مالك الشاعر ، وكانوا خمسة عشر رجلا . { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم } { وإن يتولوا } عن التوبة ، { يعذبهم الله عذابا أليما } ، يعنى شديدا ، { في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي } يمنعهم { ولا نصير } [ آية :74 ] ، يعنى مانع من العذاب .