فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يَلۡمِزُونَ ٱلۡمُطَّوِّعِينَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (79)

قوله : { الذين يَلْمِزُونَ المطوعين } الموصول محله النصب ، أو الرفع على الذم ، أو الجرّ بدلاً من الضمير في سرّهم ونجواهم ، ومعنى { يَلْمِزُونَ } يعيبون . وقد تقدّم تحقيقه ، والمطوّعين : أي المتطوّعين ، والتطوّع : التبرّع . والمعنى : أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوّعوا بشيء من أموالهم وأخرجوه للصدقة ، فكانوا يقولون : ما أغنى الله عن هذا ، ويقولون : ما فعلوا هذا إلا رياء ، ولم يكن لله خالصاً ، و { فِي الصدقات } متعلق بيلمزون : أي يعيبونهم في شأنها . قوله : { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } معطوف على المطوّعين : أي يلمزون المتطوّعين ، ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم ؛ وقيل : معطوف على المؤمنين : أي يلمزون المتطوّعين من المؤمنين ، ومن الذين لا يجدون إلا جهدهم ، وقرئ «جهدهم » بفتح الجيم ، والجهد بالضم الطاقة ، وبالفتح المشقة ، وقيل : هما لغتان ومعناهما واحد ، وقد تقدّم بيان ذلك .

والمعنى : أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدّقون بما فضل عن كفايتهم . قوله : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } معطوف على يلمزون : أي يستهزئون بهم لحقارة ما يخرجونه في الصدقة مع كون ذلك جهد المقلّ ، وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه ، قوله : { سَخِرَ الله مِنْهُمْ } أي : جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك ، فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم ، والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره . وقيل : هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } أي : ثابت مستمر شديد الألم .

/خ79