غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا} (65)

60

{ فوجدا عبداً من عبادنا } الأكثرون على أن ذك العبد كان نبياً لأنه تعالى وصفه بقوله : { آتيناه رحمة من عندنا } والرحمة هي الوحي والنبوّة بدليل قوله : { أهم يقسمون رحمة ربك } [ الزخرف : 32 ] وقوله : { وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك } [ القصص : 86 ] ومنع أن كل رحمة نبوة قالوا : وصفه بقوله : { وعلمناه من لدنا علماً } والعلم المختص به تعالى هو الوحي والإخبار بالغيوب . وأيضاً آخر القصة { وما فعلته عن أمري } أي عرفته وفعلته بأمر الله وذلك مستلزم للوحي . وروي أن موسى عليه السلام لما وصل إليه قال : السلام عليك . فقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل . فقال : من عرّفك هذا ؟ قال : الذي بعثك إلي . والصوفية سموا العلوم الحاصلة بطريق المكاشفات العلوم اللدنية . والتحقيق فيه إذا ضعفت القوى الحسية والخيالية بواسطة الرياضة قويت القوة العقلية وأشرقت الأنوار الإلهية على جواهر العقل ، ويفيض عليه من عالم الأرواح أنوار يستعد بسببها لملاحظة أسرار الملكوت ومطالعة عالم اللاهوت . والأكثرون أيضاً على أن ذلك العبد هو الخضر سمي بذلك لأنه كان لا يقف موقفاً إلا اخضر ذلك الموقف . وقال الجبائي : روي أن الخضر إنما بعث بعد موسى عليه السلام من بني إسرائيل . فإن صحت الرواية لم يكن ذلك العبد هو الخضر لأنه بعث بعده ، وبتقدير كونه معاصراً له فإنه أظهر الترفع على موسى حين قال : { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } وأن موسى أظهر التواضع له حين قال { ولا أعصي لك أمراً } مع أنه كان مبعوثاً إلى كافة بني إسرائيل ، والأمة لا تكون أعلى حالا من النبي . وإن لم تكن الرواية صحيحة بأن الخضر لا يكون من بني إسرائيل لم يجز أن يكون الخضر أفضل من موسى عليه السلام لأنه تعالى قال لبني إسرائيل { وأني فضلتكم على العالمين } [ البقرة : 47 ] وأجيب بأنه يجوز أن يكون غير النبي فوق النبي في علوم لا تتوقف نبوته عليها .

/خ82