غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ} (43)

ما الفائدة في تكرير قوله { اذهبا إلى فرعون } ؟ والجواب بعد التقرير والتأكيد أمرهما أن يشتغلا بأداء الرسالة معاً لا أن ينفرد به موسى ، أو الأول أمر بالذهاب إلى كل بني إسرائيل والقبط ، والثاني مخصوص بفرعون الطاغي . ثم إنه خوطب كلاهما وموسى حاضر فقط لأنه أصل ، أو هو كقوله { وإذ قتلتم نفساً } [ البقرة : 72 ] والقاتل واحد منهم . ويحتمل أن هارون قد حضر وقتئذ فقد روى أن الله عز وجلّ أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى . وقيل : ألهم بذلك . وقيل : سمع بخبره فتلقاه .

سؤال : لم أمرا بتليين القول للعدوّ المعاند ؟ جوابه لأن من عادة الجبابرة إذا أغلظ لهم في الكلام أن يزدادوا عتواً وعلواً . وقيل : لما له من حق تربية موسى شبه حق الأبوة . وكيف ذلك القول اللين ؟ الأصح انه نحو قوله تعالى { هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى } [ النازعات : 18 ، 19 ] لأن ظاهره الاستفهام والمشورة وعرض ما فيه صلاح الدارين . وقيل : أراد عداه شباباً لا يهرم بعده ، وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت ، وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته . حكى عمرو بن دينار قال : بلغني أن فرعون عمر أربعمائة وتسعاً وستين سنة . فقال له موسى : إن أطعتني فلك مثل ما عمرت فإذا مت فلك الجنة . وقيل : أراد كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث : أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة . ويحتمل أن يكون أمر بالقول اللين لأنه كان في موسى حدة وخشونة . بحيث إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً فعالج حدته باللين ليكون حليماً في أداء الرسالة . ومعني الترجي في { لعله } يعود إلى موسى وأخيه أي اذهبا على رجائكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو أن يثمر سعيه فعساه يتذكر بأن يرجع من الإنكار إلى الحق رجوعاً كلياً إذا تأمل فأنصف { أو يخشى } فيقل : إنكاره وإصراره . قالت المعتزلة : جدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن قطع المعذّرة وإلزامه الحجة . وقالت الأشاعرة : العقول قاصرة عن معرفة سر القدر ولا سبيل إلا التسليم وترك الاعتراض والسكوت بالقلب واللسان . قالوا : إنه كمن يدفع سكيناً إلى من علم قطعاً أنه يمزق بطن نفسه ثم يقول : إني ما أردت بدفع السكين إليه إلا الإحسان . ويروى عن كعب أنه قال : والذي يحلف به كعب إنه مكتوب في التوراة .

/خ37