غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ} (50)

37

من قرأ { خلقه } بسكون اللام فإما بمعنى الخليقة والضمير المجرور لله وقدم المفعول الثاني ليتصل قوله { ثم اهتدى } والخليقة أعطى الخلائق ما به قوامهم من المطعوم والمشروب والملبوس والمنكوح ، ثم هداهم إلى كيفية الانتفاع بها فيستخرجون الحديد من الجبال واللآلىء من البار ويركبون الأغذية والأدوية والأسلحة والأمتعة ونظير هذا الكلام قوله { الذي خلق فسوّى والذي قدر فهدى } [ الأعلى : 2 ، 3 ] وقوله حكاية عن إبراهيم { الذي خلقني فهو يهدين } [ الشعراء : 78 ] وإما أن يكون الخلق بمعنى الصورة والشكل أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به فأعطى العين هيئتها التي تطابق الإبصار ، والأذن ما يوافق الاستماع ، والأنف للشم ، واليد للبطش ، بل أعطى رجل الآدمي شكلاً يوافق سعيه ، ورجل الحيوانات الأخر شكلاً يطابق مشيها ، بل أعطى ذوات القرون رجلاً توافق حاجتهن ، وكذا الخف والحافر وذوات المخالب . وقيل : أراد وأعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة فجعل الحصان والحجر زوجين ، وكذا البعير والناقة والرجل والمرأة . ومن قرأ { خلقه } بفتح اللام صفة للمضاف أو المضاف إليه والمفعول الثاني متروك أي كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه .

واعلم أن عجائب حكمة الله تعالى في مخلوقاته بحر لا ساحل له ، وقد دوّن العلماء طرفاً منها في كتب التشريح وخواص الأحجار والنبات والحيوان ، ولنذكر ههنا واحداً منها هي أن الطبيعي يقول : الثقيل هابط والخفيف صاعد ، فالماء لذلك فوق الأرض والهواء فوق الماء والنار فوق الكل . ثم إنه سبحانه جعل العظم والشعر أصلب الأعضاء على طبيعة الأرض وجعل مكانهما فوق البدن . وجعل تحته الدماغ الذي هو بمنزلة الماء وجعل تحته النفس الذي هو الهواء ، وجعل تحته الحرارة الغريزية في القلب كالنار ليكون دليلاً على وجود الفاعل المختار خلاف ما يقوله الدهري والطبيعي وسائر الكفار . وأيضاً اختصاص كل جسم بقوة وتركيب وهداية إما أن يكون واجباً أو جائزاً ، والأول محال وإلا لم يقع فيها تغير . والثاني يستدعي مرجحاً فإن كان ذلك المرجح واجب الوجود لذاته فهو المطلوب ، وإن كان جائز الوجود افتقر في اتصافه بالوجود إلى موجد ، ولا بد من الانتهاء إلى موجد يجب وجوده لذاته . ثم إنه يستغني عن سمات النقص وشوائب الافتقار وليس إلا الله الواحد القهار .

/خ37