غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (7)

1

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية وقد مر مراراً أن الإيمان في الشرع عبارة عن التصديق بجميع ما قال الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً فيما علم وإجمالاً فيما لم يعلم ، والعمل الصالح هو الذي ندب الله ورسوله إليه ، والفاسد ما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه . وعند المعتزلة الأمر والنهي مترتب على الحسن والقبح . ثم العمل الصالح باق لأنه في مقابلة الفاسد والفاسد هو الهالك التالف . يقال : فسد الزرع إذا خرج عن حد الانتفاع . ولكن العمل عرض لا يبقى بنفسه ولا بالعامل لأن كل شيء هالك إلا وجهه ، فبقاؤه إنما يتصور إذا كان لوجه الله . ومنه يعلم أن النية شرط في الأعمال الصالحة وهي كونها لله تعالى . وخالف زفر في نية الصوم وأبو حنيفة في نية الوضوء ، وقد مر . ثم إنه تعالى ذكر في مقابلة الإيمان والعمل الصالح أمرين : تكفير السيئات والجزاء بالأحسن . فتكفير السيئات في مقابلة الإيمان ، والجزاء بالأحسن في مقابلة العمل الصالح ، ومنه يعلم أن الإيمان يقتضي عدم الخلود في النار لأن الذي كفر سيئاته يدخل الجنة لا محالة ، فالجزاء الأحسن يكون غير الجنة وهو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ولا يبعد أن يكون هو الرؤية عند من يقول بها . وههنا بحث وهو أن قوله { لنكفرن } يستدعي وجود السيئات حتى تكفر ، فالمراد بالذين آمنوا وعملوا إما قوم مسلمون مذنبون ، وإما قوم مشركون آمنوا فحط الإيمان ما قبله . أو يقال إن وعد الجميع بأشياء لا يستدعي وعد كل واحد بكل واحد من تلك الأشياء ، نظيره قول الملك لقوم : إذا أطعتموني أكرم آباءكم وأحترم أبناءكم . وهذا لا يقتضي أن يكرم آباء من توفي أبوه ويحترم ابن من لم يولد له ابن ، ولكن مفهومه أنه يكرم آباء من له أب ويحترم ابن من له ابن . أو يقال : ما من مكلف إلا وله سيئة حتى الأنبياء ، فإن ترك الأولى بالنسبة إليهم سيئة بل حسنات الأبرار سيئات المقربين .

/خ15