غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

1

ثم بين حال أهل النفاق بعد تقرير حال أهل الكفر والوفاق فقال { ومن الناس من يقول آمنا بالله } يعني أنا والمؤمنون حقاً آمنا ادّعى أن إيمانه كإِيمانهم فأخبر أن إيمانه لا تحقيق له بدليل قوله { فإذا أوذي في الله } أي في سبيله ودينه { جعل فتنة الناس كعذاب الله } قال جار الله : أي جعل فتنة الناس صارفة عن الإيمان كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر ، وهذا على التوهم أو كما يجب أن يكون عذاب الله صارفاً وهذا في الواقع . وقيل : جزعوا من عذاب الناس كما جزعوا من عذاب الله . وبالجملة معناه أنهم جعلوا فتنة الناس مع ضعفها وانقطاعها كعذب الله الأليم الدائم حتى تردّدوا في الأمر وقالوا : إن آمنا نتعرض للتأذي من الناس ، وذلك أنهم كانوا يمسهم أذى من الكفار ، وإن تركنا الإِيمان نتعرض لما توعدنا به محمد فاختاروا الاحتراز عن التعرض العاجل ونافقوا . وإنما قال { فتنة الناس } ولم يقل " عذاب الناس " لأن فعل العبد ابتلاء من الله . وليس في الآية منع من إظهار كلمة الكفر إكراهاً ، وإنما المنع من إظهارها مع مواطأة القلب التي كانوا عليها .

ومما يؤكد تذبذبهم قوله { ولئن جاء نصر من ربك } ويلزمه الغنيمة غالباً { ليقولن إنا كنا معكم } يعني دأب المنافق أنه إذا رأى اليد للكافر أظهر ما أضمر من الكفر ، وإن كان النصر للمؤمن أضمر ما أضمر وأظهر المعية وادّعى التبعية . وفي تخصيص اسم الرب بالمقام إشارة إلى أن التوبة والرحمة هي التي أوجبت النصر . ثم أخبر أنه سبحانه أعلم بما في صدور العالمين منهم بما في صدورهم ، لأنه خبير بما بأنفسهم كما هي وهم لا يعرفون نفوسهم كما هي .

/خ15