غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (8)

1

وحين بين حسن التكاليف ووقوعها وذكر ثواب من حقق التكاليف أصولها وفروعها أشار بقوله : { ووصينا الإنسان } الآية إلى أنه لا دافع لهذه السيرة ولا مانع لهذه الطريقة فإن الإنسان إذا انقاد لأحد ينبغي أن ينقاد لأبويه ، ومع هذا لو أمروه بالمعصية لا يجوز اتباعهم فكيف غيره ؟ ومنه يعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . ومعنى { وصينا } أمرنا كما مر في قوله { ووصى بها إبراهيم } [ البقرة : 132 ] وقوله { بوالديه } أي بتعهدهما ورعاية حقوقهما ، وعلى هذا ينتصب { حسناً } بمضمر يدل عليه ما قبله أي أولهما حسناً أو افعل بهما حسناً كأنه قال : قلنا له ذلك وقلنا له { وإن جاهداك } إلى آخره فلو وقف على قوله { بوالديه } حسن ويجوز أن يراد وصيناه بإيتاء والديه حسناً وقلنا له { وإن جاهداك } وقوله { ما ليس لك به علم } كقوله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً } [ الأنعام : 81 ] أي لا معلوم ليتعلق العلم به . وإذا كان التقليد في الإيمان قبيحاً فكيف يكون حال التقليد في الكفر . وعلى وجوب ترك طاعة الوالدين إذا أرادا ولدهما على الإشراك دليل عقلي ، وذلك أن طاعتهما وجبت بأمر الله فإذا نفيا طاعة الله في الإشراك به فقد أبطلا طاعة الله مطلقاً ، ويلزم منه عدم لزوم طاعة الوالدين بأمر الله ، وكل ما يفضي وجوده إلى عدمه فهو باطل . فطاعة الوالدين في اتخاذ الشرك بالله من الممتنعات . وفي قوله { إليّ مرجعكم } ترغيب في رعاية حقوق الوالدين وترهيب عن عقوقهما وإن كانا كافرين إلا في الدعاء إلى الشرك . وفيه أن المجازي للمؤمن والمشرك إذا كان هو الله وحده فلا ينبغي أن يعق الوالدين لأجل كفرهما . وفي قوله { فأنبئكم } دليل على أنه سبحانه عالم بالخفيات لا يعزب عنه شيء . يروى أن سعد بن أبي وقاص الزهري حين أسلم قالت أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان : يا سعد بلغني أنك قد صبأت ، فوالله لا يظلني سقف بيت وإن الطعام والشراب عليّ حرام حتى تكفر بمحمد . وكان أحب ولدها إليها فأبى سعد وبقيت ثلاثة أيام كذلك فنزلت هذه الآية ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً أن يداريها ويرضيها بالإحسان .

/خ15