{ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } أي لا تتصون من حر الشمس .
قال أبو السعود : هذا تعليل لما يوجبه النهي . فإن اجتماع أسباب الراحة فيها ، مما يوجب المبالغة في الاهتمام بتحصيل مبادئ البقاء فيها . والجد في الانتهاء عما يؤدي إلى الخروج عنها . والعدول عن التصريح بأن له عليه السلام فيها تنعما بفنون النعم . من المآكل والمشارب ، وتمتعا بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية ، مع أن فيه من الترغيب في البقاء فيها ، ما لا يخفى . إلى ما ذكر من نفي نقائضها التي هي الجوع والعطش والعري والضحو ، لتذكير تلك الأمور المنكرة والتنبيه على ما فيها من أنواع الشقوة التي حذره عنها ، ليبالغ في التحامي عن السبب المؤدي إليها . انتهى .
قال الناصر : في الآية سر بديع من البلاغة ، يسمى قطع النظير عن النظير . وذلك أنه قطع الظمأ عن الجوع ، والضحو عن الكسوة ، مع ما بينهما من التناسب . والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها : ولو قرن كلا بشكله لتوهم المعدودات نعمة واحدة . وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا ، فقال الكندي الأول :
كأني لم أركب جوادا للذة *** ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل *** لخيلي : كري كرة بعد إجفال
فقطع ركوب الجواد عن قوله ( لخيلي كري كرة ) وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكاس ، مع التناسب . وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها .
على أن في هذه الآية سرا لذلك ، زائدا على ما ذكر ، وهو قصد تناسب الفواصل . ولو قرن الظمأ بالجوع فقيل : إن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ ، لانتثر سلك رؤوس الآي . وأحسن به منتظما . انتهى . وهذا السر الذي سماه ( قطع النظير عن النظير ) يسمى بالوصل الخفي . ومما قيل في وجه القطع : أن فيه التنبيه على أن الأولين ، أعني الشبع والكسوة أصلان . وأن الأخيرين متممان . فالامتنان على هذا أظهر . ولذا فرق بين القرينتين . فقيل : { إن لك } و { أنك } وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة . لأن الأول يكسو العظام لحما . وأما الظمأ والضحى فمن واد واحد . وقيل : إن الغرض تعديد هذه النعم . ولو قرن كل بما يشاكله ، لتوهم المقرونان نعمة واحدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.