الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ} (119)

قوله : { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ } : قرأ نافع وأبو بكر و " إنك " بكسرِ الهمزةِ . والباقون بفتحها . فَمَنْ كَسَرَ فيجوز أن يكونَ ذلك استئنافاً ، وأن يكونَ نَسَقاً على " إنَّ " الأولى . ومَنْ فتح فلأنَّه عَطَفَ مصدراً مؤولاً على اسمِ " إنَّ " الأولى . والخبرُ " لك " المتقدمُ . والتقديرُ : إنَّ لك عَدَمَ الجوعِ وعدمَ العُرِيِّ وعَدَمَ الظمأ والضُّحا . وجاز أن تكون " أنَّ " بالفتح أسماً ل " إنَّ " بالكسر للفصل بينهما ، ولولا ذلك لم يَجُزْ . لو قلت : " إن إنَّ زيداً قائم/ حَقٌّ " لم يَجُزْ فلمَّا فُصِل بينهما جاز . وتقول : " إنَّ عندي أن زيداً قائم " ف " عندي " هو الخبرُ قُدِّم على الاسمِ وهو " أنَّ " وما في تأويلِها لكونِه ظرفاً ، والآيةُ من هذا القبيل ؛ إذ التقديرُ : وإنَّ لك أنَّك لا تظمأ . وقال الزمخشري : " فإنْ قلت : " إنَّ " لا تدخل على " أنَّ " فلا يُقال : " إنَّ أنَّ زيداً منطلق " ، والواوُ نائبةٌ عن " أنَّ " ، وقائمةٌ مقامَها فِلمَ دَخَلَتْ عليها ؟ قلت : الواوُ لم تُوْضَعْ لتكون أبداً نائبةً عن " أنَّ " إنما هي نائبةٌ عن كلِّ عاملٍ ، فلمَّا لم تكنْ حرفاً موضوعاً للتحقيق خاصة ك " إنَّ " لم يمتنعْ اجتماعُهما كما [ امتنع اجتماع ] إنَّ وأنَّ " .

وضَحَى يَضْحَى أي : برز للشمسِ . قال عمر بن أبي ربيعة :

رَأَتْ رجلاً أَيْما إذا الشمسُ عارَضَتْ *** فَيَضْحى وأيْما بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ

وذكر الزمخشريُّ هنا معنًى حسناً في كونِه تعالى ذكر هذه الأشياءَ بلفظ النفي ، دونَ أَنْ يذكرَ أضدادَها بلفظِ الإِثباتِ . فيقول : إنَّ لك الشِّبَعَ والكِسْوةَ والرِّيَّ والاكتنانَ في الظلِّ فقال : " وَذَكَرها بلفظِ النفيِ لنقائضِها التي هي الجوعُ والعُرِيُّ والظمأُ والضَّحْوُ ليطرُقَ سمعَه بأسامي أصنافِ الشِّقْوَةِ التي حَذَّره منها حتى يَتحامى السببَ الموقعَ فيها كراهةً لها .