اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ} (119)

" وأنَّكَ لاَ تَظْمَأ " قرأ نافع وأبو بكر " وإنَّك بكسر الهمزة . والباقون بفتحها{[27116]} .

فمن كسر يجوز أن يكون ذلك استئنافاً{[27117]} ، وأن يكون نسقاُ على " إنَّ " الأولى{[27118]} . ومن فتح فلأنه{[27119]} عطف مصدراً{[27120]} مؤولاً على اسم " إنَّ " الأولى ، والخبر " لَكَ " المتقدم . والتقدير : إنَّ لَكَ عدم الجوع ، وعدم العري ، وعدم الظمأ والضحى . وجاز أن يكون " أنَّ " بالفتح اسماً ل " إنَّ " بالكسر للفصل بينهما{[27121]} ، ولولا ذلك لم يجز . لو قلت : إنَّ أنَّ زيداَ قائم حق{[27122]} لم يجز ، فلما فصل بينهما جاز{[27123]} .

وتقول : إنَّ عندِي أنَّ زيداً قائمٌ ، فعندي هو الخبر على الاسم وهو أنَّ وَمَا في تأويلها لكونه ظرفاً ، والآية من هذا القبيل إذ التقدير : فإن لك أنَّك لا تَظْمَأ{[27124]} وقال الزمخشري : فإن قلت : " إنَّ " لا تدخل على " أنَّ " ، فلا يقال : إنَّ أنَّ زيداً منطلقٌ ، والواو نائبة عن " إنَّ " وقائمة مقامها ، فلم دخلت عليها ؟ قلت : الواو لم توضع لتكون أبداً نائبة عن " إنَّ " إنما هي نائبة عن كل عامل ، فلمَّا لم تكن حرفاً موضوعاً للتحقيق خاصة كإن لم يمتنع اجتماعهما كما اجتمع " إنَّ " و " أنَّ " {[27125]} وضَحِيَ يَضْحَى{[27126]} أي : برز للشمس ، قال عمر{[27127]} بن أبي ربيعة :

رَأَتْ رَجُلاً أمَّا إذَا{[27128]} الشَّمْسَ عَارَضَتْ *** فَيَضْحَى وَأَمَّا بالعَشِيَّ فَيَخْصَرُ{[27129]}

وذكر الزمخشري هنا معنى حسَناً في كونه تعالى{[27130]} ذكر هذه الأشياء بلفظ النفي دون أن يذكر أضدادها بلفظ الإثبات ، فيقول : إنَّ لَكَ{[27131]} الشبع والكسوة والري والاكتنان في الظل ، فقال{[27132]} : وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعُرِي ، والظمأ ، والصّحو ليطرق سمعه بأسامي{[27133]} أصناف{[27134]} الشقوة التي حذره منها حتى يتحامى السبب{[27135]} الموقع فيها كراهة لها{[27136]} .


[27116]:السبعة 424، الحجة لابن خالويه (247)، الكشف 2/107، الإتحاف (308).
[27117]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/378، مشكل إعراب القرآن 2/77، البيان 2/154. التبيان 2/906.
[27118]:انظر التبيان: 2/906.
[27119]:في ب: كلامه. وهو تحريف.
[27120]:في ب: مصدر.
[27121]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/378، مشكل إعراب القرآن 2/77، البيان 2/154، التبيان 2/906. وذكر الزجاج وابن الأنباري وجها آخر، وهو أن يكون موضعها الرفع بالعطف على الموضع، كما تقول: إن زيدا قائم وعمرو. بالعطف على موضع "إنّ".
[27122]:في ب: إن زيدا قائم حق.
[27123]:وذلك لأن (إنّ وأنّ) للتأكيد، كرهوا الجمع بين حرفين لمعنى واحد.
[27124]:وذلك أنّ خبر (إنّ) إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا يجوز تقديمه على اسمها للتوسع في الظروف والمجرورات. انظر شرح الأشموني 1/272.
[27125]:الكشاف 2/449.
[27126]:في ب: قوله: "تضحى".
[27127]:في الأصل: عمرو، وفي ب: قال علي. وهو تحريف.
[27128]:في ب: واب رجل أما أذى. وهو تحريف.
[27129]:البيت من بحر الطويل قاله عمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه (64)، ومعاني القرآن للفراء 2/194، ومجاز القرآن 2/32، الكامل 1/98، 284، 3/1153، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/378، المحتسب 1/284، القرطبي 11/254، اللسان (ضحا)، المغني 1/56، شرح شواهده 1/174، الهمع 2/67، شرح الأشموني 4/49. والخزانة 11/367، الدرر 2/84. ورواية الديوان: رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت *** فيضحى وأما بالعشي فيخصر ورواية (أيما) يستدل بها النحاة على قلب ميم (أما) الأولى ياء استثقالا للتضعيف. انظر شرح الأشموني 4/49.
[27130]:في الأصل: تعال. وهو تحريف.
[27131]:لك: سقط من الأصل.
[27132]:في ب: فقال أنواع. وهو تحريف.
[27133]:في النسختين: بأشياء من.
[27134]:في ب: أنواع.
[27135]:في ب: الشبع. وهو تحريف.
[27136]:الكشاف 2/449 – 450.