البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ} (119)

ضحى يضحي : برز للشمس .

قال عمرو بن أبي ربيعة :

رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت***فيضحي وأما بالعشي فيحضر

وقرأ شيبة ونافع وحفص وابن سعدان { وإنك لا تظمأ } بكسر همزة وإنك .

وقرأ الجمهور بفتحها فالكسر عطف على أن لك ، والفتح عطف على المصدر المنسبك من أن لا تجوع ، أي أن لك انتفاء جوعك وانتفاء ظمئك ، وجاز عطف { أنك } على أن لاشتراكهما في المصدر ، ولو باشرتها إن المكسورة لم يجز ذلك وإن كان على تقديرها ألا ترى أنها معطوفة على اسم إن ، وهو أن لا تجوع لكنه يجوز في العطف ما لا يجوز في المباشرة ، ولما كان الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي هي ضرورية للإنسان اقتصر عليها لكونها كافية له .

وفي الجنة ضروب من أنواع النعيم والراحة ما هذه بالنسبة إليها كالعدم فمنها الأمن من الموت الذي هو مكدر لكل لذة ، والنظر إلى وجه الله سبحانه ورضاه تعالى عن أهلها ، وأن لا سقم ولا حزن ولا ألم ولا كبر ولا هرم ولا غل ولا غضب ولا حدث ولا مقاذير ولا تكليف ولا حزن ولا خوف ولا ملل ، وذكرت هذه الأربعة بلفظ النفي لإثبات أضدادها وهو الشبع والري والكسوة والسكن ، وكانت نقائضها بلفظ النفي وهو الجوع والعُري والظمأ والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها .

قال ابن عطية : وكان عرف الكلام أن يكون الجوع مع الظمأ والعُري مع الضحاء لأنها تتضاد إذ العُري نفسه البرد فيؤذي والحر يفعل ذلك بالضاحي ، وهذه الطريقة مهيع في كلام العرب أن يقرن النسب .

ومنه قول امرئ القيس :

كأني لم أركب جواداً للذة *** ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال

ولم أسبأ الرق الروي ولم أقل *** لخيلي كري كرة بعد إجفال

وقد ذهب بعض الأدباء إلى أن بيتي امرئ القيس كافطاني للنسب ، وأن ركوب الخيل للصيد وغيره من الملاذ يناسب تبطن الكاعب انتهى .

وقيل : هذا الجواب على قدر السؤال لما أمر الله آدم بسكنى الجنة قال : إلهي ألي فيها ما آكل ؟ ألي فيها ما ألبس ؟ ألي فيها ما أشرب ؟ ألي فيها ما أستظل به ؟ وقيل : هي مقابلة معنوية ، فالجوع خلو الباطن ، والتعري خلو الظاهر ، والظمأ إحراق الباطن ، والضحو إحراق الظاهر فقابل الخلو بالخلو والإحراق بالإحراق .

وقيل : جمع امرؤ القيس في بيتيه بين ركوب الخيل للذة والنزهة ، وبين تبطن الكاعب للذة الحاصلة فيهما ، وجمع بين سباء الرق وبين قوله لخيله كري لما فيهما من الشجاعة ولما عيب على أبي الطيب قوله :

وقفت وما في الموت شك لواقف *** كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمر بك الأبطال هَزْمَى كليمة *** ووجهك وضاح وثغرك باسم

فقال : إن كنت أخطأت فقد أخطأ امرؤ القيس .