فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ} (119)

{ إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى } المعنى إن لك فيها تمتعا بأنواع المعاش وتنعما بأصناف النعم من المآكل الشهية والملابس البهية ، فإنه لما نفي عنه الجوع والعري أفاد ثبوت الشبع والاكتساء له وهكذا قوله : { وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } فإن نفي الظمأ يستلزم حصول الرّيّ ووجود المسكن الذي يدفع عنه مشقة الضحو يقال : ضحى الرجل يضحي ضحوا إذا برز للشمس فأصابه حرها وعن ابن عباس قال : لا يصيبك فيها عطش ولا حر إذ ليس فيها شمس وأهلها في ظل ممدود فذكر سبحانه ههنا أنه قد كفاه الاشتغال بأمر المعاش ، وتعب الكد في تحصيله .

ولا ريب أن أصول المتاعب في الدنيا التي يدور عليها كفاية الإنسان هي تحصيل الشبع والري والكسوة وما عدا هذه ففضلات يمكن البقاء بدونها وهو إعلام من الله سبحانه لآدم أنه إن أطاعه فله في الجنة هذا كله وإن ضيع وصيته ولم يحفظ عهده أخرجه من الجنة إلى الدنيا فيحل به التعب والنصب بما يدفع به الجوع والعري والظمأ والضحو فالمراد على هذا بالشقاء المتقدم شقاء الدنيا كما قاله كثير من المفسرين لا شقاء الأخرى .

قال الفراء : هو أن يأكل من كدّ يديه ، قال الصفوي : قابل سبحانه وتعالى بين الجوع والعري والظمأ والضحو ؛ وإن كان الجوع يقابل العطش ، والعري يقابل الضحو ، لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر ، والظمأ حر الباطن والضحو حر الظاهر ، فنفى عن ساكنها ذل الظاهر والباطن وحرهما ، ذكره ابن لقيمة .

قال أبو السعود : وفصل الظمأ من الجوع مع تجانسهما وتقارنهما في الذكر عادة وكذا حال العري والضحو المتجانسين لتوقية مقام الامتنان حقه للإشارة إلى أن نفي كل واحد من تلك الأمور نعمة على حيالها ولو جمع بين الجوع والظمأ لربما توهم أن نفيهما نعمة واحدة وكذا الحال في الجمع بين العري والضحو ولزيادة التقرير بالتنبيه على أن نفي كل واحد من هذه الأمور مقصود بالذات مذكور بالأصالة لا أن نفي بعضها مذكور بطريق الاستطراد والتبعية لبعض آخر كما عسى يتوهم لو جمع كل من المتجانسين انتهى .