محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابٖ} (40)

{ وإن له عندنا لزلفى } أي لقربى في الدرجات ، { وحسن مئاب } أي مرجع في الآخرة .

تنبيه :

روى الأثريون هاهنا قصصا مطولة ومختصرة ، مؤتلفة ومختلفة . قال ابن كثير : وكلها متلقاة من أهل الكتاب ، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام . فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في سياقها منكرات . وتقوية ابن حجر لبعض منها بأنه خرجه النسائيّ بإسناد قوي- لا عبرة له . فليس المقام قاصرا على صحة السند فحسب ، لو كان ذلك في ( الصحيحين ) ، فأنّى بمرويّ غيرهما ؟ ؟

وذكر الرازي أن القصص المروية هنا هي لأهل الحشو من تأويلهم . وأما أهل التحقيق فلهم تأويلات ، وقد ساقها فانظرها .

وقال الإمام ابن حزم : معنى قوله تعالى : { فتنا سليمان } أي آتيناه من الملك ما اختبرنا به طاعته ، كما قال تعالى مصدقا لموسى عليه السلام في قوله : { إن هي إلا فتنتك تضل بها من / تشاء وتهدي من تشاء } إذ من الفتنة ما يهدي الله بها من يشاء وقال تعالى : { آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } فهذه الفتنة هي الاختبار حتى يظهر المهتدي من الضال ، فهذه فتنة الله تعالى لسليمان إنما هي اختباره حتى ظهر فضله فقط . وما عدا هذا فخرافات ولّدها زنادقة اليهود وأشباههم . وأما الجسد الملقى على كرسيه فقد أصاب الله تعالى به ما أراد . نؤمن بهذا كما هو ، ونقول : ( صدق الله عز وجل ، كل من عند الله ربنا ) ولو جاء نص صحيح في القرآن أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير هذا الجسد ما هو ، لقلنا به ، فإذا لم يأت بتفسيره ما هو نص ولا خبر صحيح ، فلا يحل لأحد القول بالظن الذي هو أكذب الحديث في ذلك ، فيكون كاذبا على الله عز وجل ، إلا أننا لا نشك البتة في بطلان قول من قال إنه كان جنيا تصور بصورته ، بل نقطع على أنه كذب . والله تعالى لا يهتك ستر رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الهتك ، وكذلك نبعد في قول من قال إنه كان ولدا له ، أرسله إلى السحاب ليربيه . فسليمان عليه السلام كان أعلم من أن يربي ابنه بغير ما طبع الله عز وجل بنية البشر عليه من اللبن والطعام . وهذه كلها خرافات موضوعة مكذوبة ، لم يصح إسنادها قط . انتهى .

وزعم القشانيّ أن حكاية الجني والخاتم مع سليمان ، هي من موضوعات حكماء اليهود ، كسائر ما وضعت الحكماء في تمثيلاتهم من حكايات إبسال وسلامان .

ثم أخذ القشانيّ في تأويلها ، إلا أنه حل الإشكال بإشكال أعظم منه ، عفا الله عنه ، وقال قبل : إن صحت الحكاية في مطابقتها للواقع ، كان قد ابتلي بمثل ما ابتلي به ذو النون وآدم عليهما السلام ، انتهى والله أعلم .