قوله تعالى : { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى } أي القربة { وَحُسْنَ مَآَبٍ } أي مرجعا .
هذا يدل على أن ما أعطاه من الملك لم يحطه عن مرتبته ، ولم ينقص من قدره عند الله لأنه إنما سأله الملك ، والله أعلم ، لما ذكرنا من رغبته في نجاة الخلق بسرعة إجابتهم إياه إلى ما يدعوهم إليه لا رغبة منه في الدنيا ولذاتها وطلب العز فيها ، ولكن لما ذكرنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وإن له عندنا لزلفى } أي الأسباب التي تزلفه إلى الله ، وتقربه من التوفيق والعصمة والمعونة على الطاعة . وذلك يكون في الدنيا ، والأول يكون في الآخرة ، والله أعلم .
وهذا من أعظم المنن واللطف حين أمنه من جميع أنواع التبعات ، يغفر له بغير حساب ، ويسيره بالزلفى وحسن الرجع ، والله أعلم .
ثم اختلف في سبب فتنة سليمان عليه السلام وفي ذنبه :
قال بعضهم : وذلك أن الله تعالى أمره ألا يتزوج امرأة إلا من بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غير بني إسرائيل ، وجعل لها صنما ، فعبد في بيته كذا كذا يوما ، فابتلاه الله بسلب ملكه عقوبة له على قدر ما عبد الصنم في بيته .
وقال بعضهم : كانت فتنة سليمان عليه السلام التي ذكرنا في ناس من أهل الجرادة امرأته ، وكانت من أحب نسائه إليه ، وكان إذا أراد أن يحدث ، أو يدخل الخلاء ، أعطاها خاتمه ، وإن ناسا من أهلها جاؤوا يخاصمون قوما إلى سليمان . قالوا : وكان سليمان أحب أن يكون الحق لأهل جرادة ، فيقضي لهم ، فعوتب حين لم يكن هواه فيهم واحدا . وهو قول ابن عباس .
وقد ذكرنا نحن على أنه يجوز أن يكون نزع الملك منه وما ذكر عز وجل فتنته إياه بلا زلة ولا سبب : كان منه ابتداء محنة وابتلاء . وذلك جائز . ولله أن يفعل ما يشاء بمن يشاء وكيف يشاء من نزع الملك وغيره ، والله أعلم . وقال القتبي وأبو عوسجة : { رخاء } أي رخوة لينة ، وهو اللين . يقال : رجل رخو أي ضعيف في علمه ، وقوم رخاء . قالا : والرخاء الساكن . ويقال : استرخى أي سكن . وقوله عز وجل : { فامنن أو أمسك بغير حساب } ومثله قوله تعالى : { ولا تمنن تستكبر } [ المدثر : 6 ] أي لا تعط لتأخذ من المكافآت أكثر مما أعطيت .
وقال الفراء : سمي العطاء منا .
قوله عز وجل : { حيث أصاب } أي أراد : قال الأصمعي : العرب تقول : أصاب الصواب ، فأخطأ الجواب ، أي أراد الصواب . والأصفاد : الأغلال التي تشد بها الأيدي إلى العنق .
دل قول سليمان عليه السلام ودعاؤه ربه باستهابه الملك : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } على أن الملك الذي أعطاه لم يكن حقا عليه ؛ إذ لو كان حقا له لكان لا يستوهبه ، ولا يقول له : { إنك أنت الوهاب } ولكن يقول له : أعطني حقي ؛ إذ كل طالب حق له قبل الآخر لا يوصف إذا أعطاه إياه وهاب ، لكن مؤدي حق عليه .
ويدل هذا أيضا على أن ليس على الله حفظ الأصلح في الدين ؛ إذ لو كان عليه حفظ الأصلح في الدين ، وأعطى الآخر ، لكان لا يستوهب الملك ، إذ كان الملك ، له أصلح في الدين ، ولكن يقول : أعطني حقي . فدل استهابه منه الملك على أن ليس عليه حفظ الأصلح في الدين ، ولا أعطى الأخير ، وأن له ألا يعطيه . وإن إعطاءه الملك له فضل منه ورحمة ، والله أعلم .
فإن قيل : فيه تفضيل الغنى والسعة على الفقر والضيق لما أن الله عز وجل جعل الغنى والسعة آية من آيات النبوة والرسالة ، ولم ير الفقر والضيق جعلهما آية من آيات النبوة ، فهلا دل جعل الغنى آية من آيات النبوة على أنه أفضل من الفقر ؟
يقل لهم : إن الغنى والملك إنما جعلهما آية لرسالة نبي واحد ، وأكثر الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، كانوا فقراء وأهل الحاجة والضيق في أمر الدنيا ، فهم كانوا ما ذكرنا من الضيق والفقر وقلة أعوانهم وأنصارهم أما يعدل قواهم وظهر ما دعوا الناس إلى ما دَعَوا هُمْ ، وهو التوحيد والإسلام مع وجود رغبة الناس في من عنده السعة والغنى ونفاذ أمرهم وقلة رغبتهم في من عنده الفقر والضيق .
فدل اختيار أكثر الأنبياء الحال التي تنفر طباع الناس عنها على الحال التي يرغبون فيها مع حرصهم ورغبتهم في الدين . على أن الحال التي اختاروا هم أفضل وأخير من الحال الأخرى ، والله أعلم .
وكذلك قوله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } [ الحجر : 88 ] نهاه أن يمد عينيه إلى ذلك ، ويختاره . إنما يمد ، ويختار لسعة قومه وأصحابه في أبواب الشر والخير ، وإنه لا يختار ، ولا يأخذ إلا ما يحل ، ويطيب . فدل النهي عما ذكر على العلم منه ما وصفنا على أن ذلك أفضل من الآخر ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.