محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِينَ كَٱلۡفُجَّارِ} (28)

{ أم نجعل الَّذِينَ ، آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ } : قال المهايميّ : أي : أنترك البعث بالكلية ، أم نبعث ونجعل الذين آمنوا فشكروا نعمة العقل والكتاب . وعملوا الصالحات فشكروا نعمة الأعضاء ، كالمفسدين ، بصرف العقل والأعضاء إلى غير ما خلقت له ؟ { أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ } أي مخالفة أمر الله رعاية لمحبته { كالفجار } أي الذين يخالفون أوامر الله ، ولا يبالون بعداوته . أي لا نفعل ذلك ولا يستوون عند الله .

قال ابن كثير : وإذا كان الأمر كذلك ، فلا بد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع ، ويعاقب فيها هذا الفاجر . وهذا الإرشاد يدل العقول السليمة والفطر المستقيمة ، على أنه لا بد من معاد وجزاء . فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ، ويموت كذلك . ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده . فلا بد في حكمة الحكيم العليم العادل ، الذي لا يظلم مثقال ذرة ، من إنصاف هذا من هذا . وإذا لم يقع هذا في هذه الدار ، فتعين أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء والمواساة .