الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابٖ} (40)

ثم قال تعالى ذكره : { وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب } أي : وإن لسليمان في الآخرة عند الله لقربة منه وحسن مرجع ومصير . وإنما رغب سليمان إلى الله في هذا الملك ليعلم منزلته عند الله ، ودرجته ، وقبول توبته ، ومقدار إجابته له ، لا لمحبته في الدنيا ورغبته فيها وجلالة قدرها عنده ، بل كانت أهون عنده من ذلك .

ويجوز أن يون سأل ذلك ليقوى به على الجهاد في سبيل الله عز وجل ، لا لمحبته في الدنيا وملكها .

وقوله : { لا ينبغي لأحد من بعدي } الأحسن في تأويله : ( لا أسلبه ){[58365]} كما سلبت ملكي قبل هذا ، لا أنه بَخَّلَ على من بعده أن يكون له مثل ملكه بعد موته .

وقيل : معناه : لا ينبغي لأحد من أهل زماني فيكون ذلك لي واختصاصي به دون غيري ، حجة لي على نبوتي وأني رسولك إليهم .

وإذا أتى بمثل ملكي غيري من أهل زماني لم يكن له حجة على من أرسلت إليه ، إذ قد أوتي غيري مثل ما أوتيت .

فانفرادي بذلك يدل على نبوتي وصدقي . إذْ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس{[58366]} .

وذكر ابن وهب{[58367]} عن ابن شهاب{[58368]} أن سليمان عليه السلام كان إذا رأى ما هو مما أعطاه الله قال : نموت وننسى .


[58365]:ح: لا أسلبت.
[58366]:قاله الطبري في جامع البيان 23/106، وقاله الزجاج في معانيه 4/333، وانظر: أحكام القرآن لابن العربي 4/1649. وجاء في الكشف والبيان 240 مختصرا ومجهول القائل.
[58367]:هو عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد. فقيه، محدث. روى عن ابن جريج ومالك، وقرأ على نافع. وروى عنه يونس وأصبغ توفي سنة 194 هـ، حلية الأولياء 8/324 ت 428، تذكرة الحفاظ 1/304 ت 283، تقريب التهذيب 1/460ت728.
[58368]:هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، أبو بكر المدني، الحافظ روى عن ابن عمر، وروى عنه مالك والأوزاعي والليث توفي سنة 124 هـ، انظر: تذكرة الحفاظ 4/108 ت 96.