محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (32)

{ سنفرغ لكم أيه الثقلان } قال القرطبي : يقال : فرغت من الشغل أفرغ فراغا وفروغا . وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته . والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه . وإنما المعنى : سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، فهو وعيد لهم وتهديد ، كقول القائل لمن يريد تهديده : إذا أتفرغ لك ، أي أقصدك .

/ وقال الزجّاج : الفراغ في اللغة على ضربين : أحدهما الفراغ من الشغل ، والآخر القصد للشيء والإقبال عليه ، كما هنا . وهو تهديد ووعيد . تقول : قد فرغت مما كنت فيه ، أي قد زال شغلي به . وتقول : سأفرغ لفلان ، أي سأجعله قصدي . فهو على سبيل التمثيل . شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة ، من الأخذ في الجزاء ، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين ، بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي ، والإماتة والإحياء ، والمنع والإعطاء ، وأنه لا يشغله شأن عن شأن – بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر ، إذا فرغ من ذلك الشغل ، شرع في آخر . وجازت الاستعارة التصريحية أيضا . وقد ألم به صاحب ( المفتاح ) حيث قال : الفراغ الخلاص عن المهام . والله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن ، وقع مستعارا للأخذ في الجزاء وحده .

لطيفة :

ترسم { أيّه } بغير ألف . وأما في النطق فقرأ أبو عمرو والكسائي { أيها } بالألف في الوقف ، ووقف الباقون على الرسم { أيه } بتسكين الهاء ، وفي الوصل قرأ ابن عامر { أيه } برفع الهاء ، والباقون بنصبها . { والثقلان } تثنية ( ثقل ) بفتحتين ، فعل بمعنى مفعل ، لأنهما أثقلا الأرض ، أو بمعنى مفعول ، لأنهما أُثقلا بالتكاليف . وقال الحسن : لثقلهما بالذنوب .

والخطاب في { لكم } قيل للمجرمين ، لكن يأباه قوله { أيه الثقلان } نعم ! المقصود بالتهديد هم . ولا مانع من تهديد الجميع – كما أفاده الشهاب- ولا يفهم من هذا أن اللفظ الكريم وعيد بحت ، بل هو حامل للوعد أيضا ، لأن المعنى : سنفرغ لحسابكم ، فنثيب أهل الطاعة ، ونعاقب العصاة ، وهو جليّ . ولذا اعتد ذلك نعمة عليهم بقوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي من ثوابه أهل طاعته ، وعقابه أهل معصيته .