محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (42)

ثم تأثر تعالى وعيده بوعده ، على سنته في تنزيله الكريم ، فقال سبحانه : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( 42 ) } .

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } مبتدأ ، وفي الخبر وجهان :

أحدهما : { لا نكلف نفسا إلا وسعها } ، والتقدير ( منهم ) ، فحذف العائد ، كما حذف في قوله : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }{[3935]} .

والثاني : أن الخبر { أولئك أصحاب الجنة } و { لا نكلف } معترض بينهما- انتهى- وعلى الثاني اقتصر غير واحد من المحققين . قالوا : وسر الاعتراض ، الترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببيان سهولة مناله ، وتيسير تحصيله . والذي حسنه سبق العمل الصالح قبله . أي وإذا علم أن مبنى التكليف على الوسع ، زادت الرغبة في ذلك الاكتساب ، لحصوله بما فيه يسر لا عسر .

لطيفة :

الوسع : ما يقدر عليه الإنسان بسهولة ويستمر . قاله الرازي ، أخذا من قول معاذ في الآية يسرها لا عسرها قال : وأما أقصى الطاقة فيسمى جهدا لا وسعا . وغلط من ظن أن الوسع بذل المجهود .

قلت : في ( القاموس ) : الوسع ( مثلثة ) الجدة والطاقة كالسعة . وفيه : الجهد الطاقة ( ويضم ) والمشقة- انتهى- .

قال ابن الأثير : الجهد ( بالفتح ) المشقة ، وقيل : المبلغة والغاية ، وبالضم الوسع والطاقة ، / وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة ، فأما في المشقة والغاية ، فالفتح لا غير- انتهى- وبه يعلم أن ما جرى عليه الرازي قول للغويين ، وليس وفاقا .


[3935]:- [42/ الشورى/ 43].