محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (46)

46 { وأطيعوا الله ورسوله ولا تتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين }

{ وأطيعوا الله ورسوله } أي في كل ما يأمران به وينهيان ، وهذا عام والتخصيص بالذكر هنا فيه تأكيد { ولا تنازعوا { أي باختلاف الآراء ، أو فيما أمرتم به { فتفشلوا } أي تجبنوا ، إذ لا يتقوى بعضكم ببعض . { وتذهب ريحكم } أي قوتكم وغلبتكم ، ونصرتكم ودولتكم . شبه ما ذكر في نفوذ الأمر وتمشيته ، بالريح وهبوبها ويقال : هبت رياح فلان ، إذا دالت له الدولة ونفذ أمره قال :

إذا هبت رياحك فاغتنمها ***فإن لكل خافقة سكون

ولا تغفل عن الإحسان فيها *** فما تدري السكون متى يكون

{ واصبروا } أي على شدائد الحرب ، وعلى مخالفة أهويتكم الداعية إلى التنازع ، فالصبر مستلزم للنصر ، { إن الله مع الصابرين } أي بالنصر .

قال ابن كثير رحمه الله : وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم الله ورسوله ، وامتثال ما أرشدهم إليه ، ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ولا يكون لأحد من بعدهم .

فإنهم ببركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم ، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا ، في المدة اليسيرة ، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم ، ن الروم والفرس والترك الصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط وطوائف بني آدم . قهروا الجميع حتى علت كلمة الله وظهر دينه على سائر الأديان ، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، في أقل من ثلاثين سنة ، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين .

تنبيه :

قال بعض المفسرين في قوله تعالى : { ولا تنازعوا } أي لا تختلفوا فيما أمركم به من الجهاد ، بل ليتفق رأيكم . قال : ولقائل أن يقول : استثمر من هذا وجوب نصب أمير على الجيش ليدبر أمرهم ، ويقطع اختلافهم ، فإن بلزوم طاعته ، ينقطع الاختلاف . وقد فعله صلى الله عليه وسلم في السرايا ، وقال {[4393]} : " اسمعوا وأطيعوا ، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي " . انتهى .

ولما أمر تعالى المؤمنين بالثبات والصبر عند اللقاء ، أمرهم بالإخلاص فيهم ، بنهيهم عن التشبه بالمشركين ، في انبعاثهم للرياء بقوله سبحانه :

47 { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط } .


[4393]:أخرجه البخاري في : 93- كتاب الأحكام، 4 باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، الحديث رقم 434 عن أنس. وفيه (استُعْمِلَ) عوضا عن (أُمِّرَ).