محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ} (56)

56 { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون }

{ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون } أي لا يخافون عاقبة الغدر ، ولا يبالون بما فيه من العار والنار .

تنبيهات

الأول – قال المهايمي : أشار تعالى إلى أنه كيف يترك نعمه على من غير أحواله التي كانت أسباب النعم ، وقد كان بها إنسانيته ، فبتغييرها لحق بالدواب ، وبإنكار المنعم صار شرا منها . والنعم تسلب ممن لا يعرف قدرها ، فكيف لا تسلب ممن ينكر المنعم ؟ .

الثاني – دلت الآية على جواز تحقير العصاة ، والاستخفاف بهم ، حيث سماهم تعالى ( دواب ) وأخبر أنهم { شر الدواب } .

الثالث – قالوا : نزلت الآية في يهود بني قريظة ، رهط كعب بن الأشرف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان عاهدهم ألا يحاربوه ، ولا يعاونوا عليه ، فنقضوا العهد ، وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا . فعاهدهم الثانية فنقضوا العهد أيضا . . ومالأوا الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق . وركب كعب بن الأشرف إلى مكة ، فوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الرابع - { الذين } بدل من الموصول الأول ، أو عطف بيان له ، أو نصب له على الذم .

وضمن { عاهدت } معنى الأخذ ، حتى عدِّي ب ( من ) أي أخذت منهم عهدهم . وقيل : ( من ) صلة ، وقال أبو حيان : هي للتبعيض ، لأن المباشر بالذات للمعاهدة بعض القوم ، وهم الرؤساء والأشراف .

الخامس – قوله : { وهم لا يتقون } حال من فاعل { ينقضون } أي يستمرون على النقض ، والحال أنهم لا يتقون العار فيه ، لأن عادة من يرجع إلى دين وعقل وحزم أن يتقي / نقض العهد ، حتى يسكن الناس إلى قوله ، ويثقون بكلامه . فبين الله عز وجل أن من جمع بين الكفر ونقض العهد ، فهو شر من الدواب .