اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ} (56)

وقوله : { الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ } إشارة إلى نقض العهد .

قال الكلبيُّ ومقاتلٌ : يعني يهود بني قريظة ، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه{[17418]} .

{ الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ } أي : عاهدنهم .

قيل : عاهدت بعضهم ، وقيل : أدخل " مِنْ " لأن معناه : أخذت منهم العهد . { ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ } .

قال ابنُ عباسٍ " هم بنو قريظة ، نقضوا العقد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعانوا المشركين على قتال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا فعاهدهم ثانياً ، فنقضوا العهد ومالوا مع الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ، وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم{[17419]} " ، { وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } لا يخافون الله في نقض العهد .

قوله " الَّذينَ عاهدَتَّ " يجوزُ فيه وجهان :

أحدها : الرَّفْعُ على البدل من الموصول قبله ، أو على النَّعت له ، أو على عطف البيان ، أو النصبُ على الذَّمِّ ، أو الرفع على الابتداء ، والخبرُ قوله " فإمَّا تَثْقَفَنَّهُم " بمعنى : من تعاهد منهم ، أي : من الكفار ثم ينقضون عهدهم ، فإن ظفِرتَ بهم فاصنعْ كيت وكيت ، فدخلت الفاءُ في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط ، وهذا ظاهر كلام ابن عطية رحمه الله تعالى .

و " مِنْهُمْ " يجوز أن يكون حالاً من عائد الموصول المحذوف ، إذ التقدير : الذين عادتهم ، أي : كائنين منهم ، ف " مِنْ " للتبعيض . وقيل : هي بمعنى : " مع " .

وقيل : الكلام محمول على معناه ، أي : أخذت منهم العهد .

وقيل : زائدةٌ أي : عاهدتهم . والأقوالُ الثلاثةُ ضعيفةٌ ، والأول أصحُّ .


[17418]:ذكره البغوي في "معالم التنزيل" (2/257).
[17419]:انظر: "معالم التنزيل" (2/257).