طِفلاً : يعني أطفالا ، لأنه يطلق على المفرد والجمع .
ثم يستعرض آية من آيات الله في أنفسهم بعدما استعرض آياته في هذا الكون العجيب ، وهذه الآية هي الحياة الإنسانية وأطوارها العجيبة فيقول :
{ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ . . . }
رتّب الله سبحانه تطور حياة الإنسان في ثلاث مراتب : الطفولة ، وبلوغ الأشُدّ في الشباب والكهولة ، والشيخوخة . ومن الناس من يُتوفى قبل سن الشباب ، أو الشيخوخة . والله يفعل ذلك لتبلغوا الأجل المسمى وهو يوم القيامة ، ولتعقِلوا ما في التنقل في هذه الأطوار المختلفة من فنون العبر والحكم .
{ هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } في ضمن خلق آدم عليه السلام منه حسبما مر تحقيقه { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } أي ثم خلقكم خلقاً تفصيلياً من نطفة أي من منى { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } قطعة دم جامد { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي أي أطفالاً وهو اسم جنس صادق على القليل والكثير .
وفي «المصباح » ، قال ابن الأنباري : يكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع ويجوز فيه المطابقة أيضاً ؛ وقيل : إنه أفرد بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع ثم يخرج كل فرد منه طفلاً { ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ } لللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وذلك المحذوف عطف على { يُخْرِجُكُمْ } وجوز أن يكون { لِتَبْلُغُواْ } عطفاً على علة مقدرة ليخرجكم كأنه قيل : ثم يخرجكم لتكبروا شيئاً فشيئاً ثم لتبلغوا أشدكم وكمالكم في القوة والعقل ، وكذا الكلام في قوله تعالى : { ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً } ويجوز عطفه على { لِتَبْلُغُواْ } .
وقرأ ابن كثير . وابن ذكوان . وأبو بكر . وحمزة . والكسائي { شُيُوخاً } بكسر الشين . وقرئ { شَيْخًا } كقوله تعالى : { طِفْلاً } { وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ } أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد أو قبله أيضاً { وَلِتَبْلُغُواْ } متعلق بفعل مقدر بعده أي ولتبلغوا { أَجَلاً مُّسَمًّى } هو يوم القيامة بفعل ذلك الخلق من تراب وما بعده من الأطوار ، وهو عطف على { خَلَقَكُمْ } والمراد من يوم القيامة ما فيه من الجزاء فإن الخلق ما خلقوا إلا ليعبدوا ثم يبلغوا الجزاء ، وتفسير الأجل المسمى بذلك مروى عن الحسن ، وقال بعض : هو يوم الموت . وتعقب بأن وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله فالأولى تفسيره بما تقدم ، وظاهر صنيع الزمخشري ترجيح هذا على ما بين في «الكشف » { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ولكي تعقلوا ما في ذلك التنقل في الأطوار من فنون الحكم والعبر .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال : أي ولعلكم تعقلون عن ربكم أنه يحييكم كما أماتكم .
فكما خلقكم وحده ، فاعبدوه وحده فقال : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ } وذلك بخلقه لأصلكم وأبيكم آدم عليه السلام . { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } وهذا ابتداء خلق سائر النوع الإنساني ، ما دام في بطن أمه ، فنبه بالابتداء ، على بقية الأطوار ، من العلقة ، فالمضغة ، فالعظام ، فنفخ الروح ، { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } ثم هكذا تنتقلون في الخلقة الإلهية حتى تبلغوا أشدكم من قوة العقل والبدن ، وجميع قواه الظاهرة والباطنة .
{ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ } بلوغ الأشد { وَلِتَبْلُغُوا } بهذه الأطوار المقدرة { أَجَلًا مُسَمًّى } تنتهي عنده أعماركم . { وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أحوالكم ، فتعلمون أن المطور لكم في هذه الأطوار كامل الاقتدار ، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وأنكم ناقصون من كل وجه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.