تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

ومن صفات هؤلاء المؤمنين أيضا أنهم يُجيبون ربّهم إلى ما دعاهم إليه ، ويقيمون الصلاة في أوقاتها على أكمل وجوهها .

{ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ }

وهذا دستور عظيم في الإسلام ، فهو يوجب أن يكون الحكْم مبنياً على التشاور . وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يشاور أصحابه الكرام في كثير من الأمور ، وكان الصحابة الكرام يتشاورون فيما بينهم . ومثلُ ذلك قوله تعالى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر } [ آل عمران : 159 ] . قال الحسن البصري : « ما تشاور قوم إلا هُدوا لأرشدِ أمرهم » . وقال ابن العربي : « الشورى ألفة للجماعة ، وصِقال للعقول ، وسببٌ إلى الصواب ، وما تشاور قوم قط إلا هدوا » . ومن صفات هؤلاء المؤمنين البذلُ والعطاء بسخاء { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

{ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } أي ذو شورى ومراجعة في الآراء بينهم بناء على أن الشورى مصدر كالبشرى فلا يصح الأخبار لأن الأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة ، وأورد أنه يقال من غير تأويل شأني الكرم والأمر هنا بمعنى الشأن ، نعم إذا حمل على القضايا المتشاور فيها احتاج إلى التأويل أو قصد المبالغة ، وقيل : أن إضافة المصدر للمعوم فلا يصح الأخبار إلا بالتأويل ورد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمروهم وفيه نظر ، وقال الراغب : المشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم : شرت العسل وأشرته استخرجته والشورى الأمر الذي يتشاور فيه انتهى ، والمشهور كونه مصدراً ، وجيء بالجملة اسمية مع أن المعطوف عليه جملة فعلية للدلالة على أن التشاور كان حالهم المستمرة قبل الإسلام وبعده ، وفي الآية مدح للتشاور لاسيما على القول بأن فيها الأخبار بالمصدر ، وقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدى لأرشد الأمور » ، وأخرج عبد بن حميد . والبخاري في الأدب . وابن المنذر عن الحسن قال : ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم ثم تلا { وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } ، وقد كانت الشورى بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب ، وكذا بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام ، وكانت بينهم أيضاً في الأحكام كقتال أهل الردة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك ، والمراد بالأحكام ما لم يكن لهم فيه نص شرعي وإلا فالشورى لا معنى لها وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله عز وجل إلى آراء الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير ، ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال : اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد ، وينبغي أن يكون المستشار عاقلاً كما ينبغي أن يكون عابداً ، فقد أخرج الخطيب أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً «استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا » والشورى على الوجه الذي ذكرناه من جملة أسباب صلاح الأرض ففي الحديث «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها » وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان افسادها للدين والدنيا أكثر من اصلاحها { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } أي في سبيل الخير لأنه مسوق للمدح ولا مدح بمجرد الإنفاق ، ولعل فصله عن قرينة بذكر المشاورة لأن الاستجابة لله تعالى وأقام الصلاة كانا من آثارها ، وقيل : لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ } أي : انقادوا لطاعته ، ولبَّوْا دعوته ، وصار قصدهم رضوانه ، وغايتهم الفوز بقربه .

ومن الاستجابة للّه ، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فلذلك عطفهما على ذلك ، من باب عطف العام على الخاص ، الدال على شرفه وفضله فقال : { وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي : ظاهرها وباطنها ، فرضها ونفلها . { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } من النفقات الواجبة ، كالزكاة والنفقة على الأقارب ونحوهم ، والمستحبة ، كالصدقات على عموم الخلق .

{ وَأَمْرُهُمْ } الديني والدنيوي { شُورَى بَيْنَهُمْ } أي : لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم ، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم ، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها ، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها ، حتى إذا تبينت لهم المصلحة ، انتهزوها وبادروها ، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد ، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء ، أو غيره ، وكالبحث في المسائل الدينية عموما ، فإنها من الأمور المشتركة ، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله ، وهو داخل في هذه الآية .