فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

{ والذين استجابوا لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصلاة } أي أجابوه إلى ما دعاهم إليه ، وأقاموا ما أوجبه عليهم من فريضة الصلاة . قال ابن زيد : هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة ، وأقاموا الصلاة لمواقيتها بشروطها وهيئاتها { وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } أي يتشاورون فيما بينهم ولا يعجلون ولا ينفردون بالرأي . والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والذكرى . قال الضحاك : هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وورود النقباء إليهم حين اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به ، والنصرة له . وقيل : المراد تشاورهم في كلّ أمر يعرض لهم ، فلا يستأثر بعضهم على بعض برأي ، وما أحسن ما قاله بشار بن برد :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن *** برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة *** فريش الخوافي قوّة للقوادم

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في أموره ، وأمره الله سبحانه بذلك ، فقال : { وَشَاوِرْهُمْ في الأمر } [ آل عمران : 159 ] ، وقد قدّمنا في آل عمران كلاماً في الشورى { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } أي ينفقونه في سبيل الخير ، ويتصدّقون به على المحاويج .

/خ43