فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ } أي أجابوه إلى ما دعاهم إليه وأقاموا ما أوجبه عليهم من فريضة الصلاة ، قال ابن زيد هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيبا منهم قبل الهجرة وأقاموا الصلاة لمواقيتها بشروطها وهيئاتها قاله القرطبي ، ونحوه البيضاوي .

{ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } أي يتشاورون فيما بينهم ولا يعجلون ولا ينفردون بالرأي ، والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والقربى ، قال الضحاك : هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وورد النقباء إليهم حين اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به ، والنصرة له ، وقيل : المراد تشاورهم في كل أمر يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم على بعض برأي ، قال ابن العربي : الشورى ألفة للجماعة ، وسبار للعقول ، وسبب إلى الصواب ، وما تشاور قوم قط إلا هدوا ، فمدح الله تعالى المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك وما أحسن ما قاله بشار بن برد :

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن *** برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة *** فريش الخوافي قوة للقادم

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في أموره ، وأمره سبحانه بذلك فقال : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وذلك في الآراء كثير ، ولم يكن يشاورهم في الأحكام لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض ، والندب والمكروه والمباح والحرام ، فأما الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم فكانوا يتشاورون في الأحكام ، ويستنبطونها من الكتاب والسنة ، وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها وتشاوروا في أهل الردة ، فاستقر رأي أبي بكر على القتال ، وشاور عمر رضي الله عنه الهرمزان حين وفد عليه مسلما ، وقد قدمنا في آل عمران كلاما في الشورى .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } في سبيل الخير ، ويتصدقون به على المحاويج ،