تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ادعوني : اسألوني .

داخرين : صاغرين ، أذلاء .

ليس يستوي الأعمى عن الحق والبصير العارف به ، ولا يستوي المؤمن العامل بإيمانه والمسيء في عقيدته وعمله ، ذلك أن المؤمنين أبصروا وعرفوا فهم يحسنون التقدير ، أما الأعمى بجهله فهو يسيء كل شيء . { قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } وما أقلّ ما تتذكرون .

قراءات :

قرأ أهل الكوفة : تتذكرون بتاءَين ، والباقون : يتذكرون بالياء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

قوله تعالى{ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون } قرأ أهل الكوفة { تتذكرون } بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ولما ثبت بهذا القياس الذي لا خفاء به لا دافع له ولا مطعن فيه أن القادر على خلق الكبير ابتداء قادر على تسوية الصغير إعادة ، وثبت به أيضاً أن خلق الناس ليس مستنداً إلى طبائع السماوات والأرض وإلا لتساووا في العلم والجهل ، والقدر والهيئة والشكل ، لأن اقتضاء الطبائع لذلك على حد سواء لا تفاوت فيه ، وهي لا اختيار لها ، وكان من الناس من يقول : إن هذا الإيجاد إنما هو للطبائع ، ومن هؤلاء فرعون الذي مضى في هذه السورة كثير من كشف عواره وإظهار عاره ، دل على إبطاله بأن ذلك قول يلزمه التساوي فيما نشأ عن ذي الطبع لأن لا اختيار له ونحن نشاهد الأشياء مختلفة ، فدل ذلك قطعاً على أنها غير مستندة إلى طبيعة بل إلى فاعل مختار ، فكان التقدير بما أرشد إليه سياق الآية قطعاً مع ختمها بنفي العلم وعطف ما بعدها على غير مذكور : وأقلهم يعلمون ، فثبت أن خالقهم الذي فاوت بينهم قادر مختار لا شريك له ، فإنه ما يستوي العالم والجاهل : { وما يستوي } أي بوجه من الوجوه من حيث البصر { الأعمى والبصير * } وذلك موجب للعلم بأن استناد المتخالفين ليس إلى الطبيعة ، بل إلى فاعل مختار .

ولما ذكر الظلام والنور الحسيين ، أتبعه المعنويين نشراً مشوشاً ليكشف قسما الظلام قسمي النور إشارة إلى أن المهتدي عزيز الوجود ، كالذهب الإبريز بين النقود ، فقال : { والذين آمنوا } أي أوجدوا هذه الحقيقة ثبتت أو لا { وعملوا الصالحات } كذلك فكانوا محسنين { ولا المسيء } أي الثابت الإساءة الذي كفر وعمل الصالحات ، ووقع التغاير في العطف لأن المراد - والله أعلم - نفس التساوي بين أفراد الأعمى وأفراد البصير والمحسن والمسيء ، ولكنه لما كان في المخاطبين الغبي والذكي ، عطف البصير بغير " لا " ليكون ظاهر ذلك نفي المساواة بين نوعي الأعمى والبصير ، لأن نفي المساواة بين أفراد الأنواع دقيق ، واقتصر على الواو في عطف { الذين آمنو } لأنه لا ينتظم أن يراد جعل الأعمى والبصير فريقاً والمؤمن الموصوف فريقاً ، وينتفي التساوي بينهما لأنه لا لبس في أن المؤمنين الموصوفين كالبصير ، وليس فيهم من يتوهم مساواته للأعمى ، فكان من الجلي معرفة أن المراد نفي مساواة الأعمى للبصير ونفي مساواة المؤمن الموصوف للمسيء ، وزيدت " لا " في المسيء وعبر فيه بالإفراد إشارة للفطن إلى أن المراد نفي التساوي بين أفراد كل نوع لأن ذلك أدل على القدرة ، وأنها بالاختيار ، وهذا بخلاف الظلمات في سورة فاطر لأنه لو تركت " لا " هناك لتوهم متوهم أن المنفي المساواة بين الأعمى والبصير وبين الظلمات ، فيوجد حينئذ الطعن بأن الظلمات مساوية لهما باعتبار أن الظلمة منها كثيف جداً لا يمكن نفوذ البصر فيه ، ومنها خفيف جداً يكون تسميته ظلاماً بالنسبة إلى النور الساطع ، والآية من الاحتباك : ذكر عمل الصالحات أولاً دليلاً على ضدها ثانياً ، والمسيء ثانياً دليلاً على المحسنين أولاً ، وسره أنه ذكر الصلاح ترغيباً والإساءة ترهيباً .

ولما تقرر هذا على هذا النحو من الوضوح الذي لا مانع للإنسان من فهمه ورسوخه في علمه إلا عدم تذكره لحسه حتى في نفسه قال تعالى : { قليلاً ما يتذكرون } أي المجادلون أو أيها المجادلون أو الناس لأن المتذكر غاية التذكر - بما دل عليه الإظهار - منكم قليل - على قراءة الكوفيين بالخطاب لأنه أقوى في التبكيت ، وأدل على الغضب .