{ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا . وجعل القمر فيهن نوراً } قال الحسن : يعني في السماء الدنيا ، كما يقال : أتيت بني تميم ، وإنما أتى بعضهم ، وفلان متوار في دور بني فلان وإنما هو في دار واحدة . وقال عبد الله بن عمرو : إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماوات ، وضوء الشمس ونور القمر فيهن واقفيتهما إلى الأرض . ويروى هذا عن ابن عباس . { وجعل الشمس سراجاً } مصباحاً مضيئاً
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وجعل القمر فيهن نورا} يعني معهن نورا، يعني خلق الشمس والقمر مع خلق السماوات والأرض، فجعلهن نورا لأهل الأرض، فجعل القمر نوره بالليل،
{وجعل الشمس سراجا} مضيئة بالنهار لأهل الأرض فينتشرون فيه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنّ نُورا": وجعل القمر في السموات السبع نورا.
"وَجَعَلَ الشّمْسَ" فيهن سراجا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وجعل القمر فيهن نورا} منهم من يذكر أنه جعله نورا في السماء الدنيا، وأضافه إلى جملة السماوات.
{وجعل الشمس سراجا} ذكر السراج ههنا مكان الضوء وفي موضع آخر، وهو قوله عز وجل: {هو الذي جعل الشمس ضياء} [يونس: 5] فذكر في القمر النور وفي الشمس الضياء، لأن القمر يكون في وقت الحاجة إلى النور، وذلك في ظلمة الليل. ثم الله تعالى أنشأ الليل ليسكن فيه. لكن قد يبدو للخلائق بالليل حوائج يحتاجون إلى قضائها، فمنّ الله تعالى عليهم بنور القمر ليتوصلوا بنوره إلى قضاء حوائجهم، وجعل الشمس ضياء ليختطف ضوؤها نور الليل ويغلب عليه، ولا يختطف نور النهار نور الشمس، والله أعلم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة، ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدر القمر منازل وبروجا، وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستسر، ليدل على مضي الشهور والأعوام، كما قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5].
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وجعل القمر} أي الذي ترونه وهو في السماء الدنيا، وبدأ به لقربه وسرعة حركته وقطعه جميع البروج في كل شهر مرة وغيبته في ليالي السرار ثم ظهوره، وذلك أعجب في القدرة. ولما كانت السماء شفافات قال: {فيهن} أي السماوات جميعهن {نوراً} أي لامعاً منتشراً كاشفاً للمرئيات، ولما كان نوره مستفاداً من نور الشمس قال: {وجعل} معظماً لها بإعادة العامل {الشمس سراجاً} أي نوراً عظيماً كاشفاً لظلمة الليل عن وجه الأرض.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 15]
كذلك وجههم إلى كتاب الكون المفتوح: (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا؟ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا؟).. والسماوات السبع لا يمكن حصرها في مدلول مما تقول به الفروض العلميه في التعريف بالكون. فهي كلها مجرد فروض. إنما وجه نوح قومه إلى السماء وأخبرهم -كما علمه الله- أنها سبع طباق. فيهن القمر نور وفيهن الشمس سراج. وهم يرون القمر ويرون الشمس، ويرون ما يطلق عليه اسم السماء. وهو هذا الفضاء ذو اللون الأزرق. أما ما هو؟ فلم يكن ذلك مطلوبا منهم. ولم يجزم أحد إلى اليوم بشيء في هذا الشأن.. وهذا التوجيه يكفي لإثارة التطلع والتدبر فيما وراء هذه الخلائق الهائلة من قدرة مبدعة.. وهذا هو المقصود من ذلك التوجيه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي جعل القمر نوراً إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته فإن القمر مظلم وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعُّض وتمام هو أثر ظهوره هلالاً ثم اتساع استنارته إلى أن يصير بدراً، ثم ارتجاع ذلك، وفي تلك الأحوال يضيء على الأرض إلى أن يكون المحاق. وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجاً لأنها ملتهبة وأنوارها ذاتية فيها صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر مثل أنوار السراج تملأ البيت وتُلمع أوانيَ الفضة ونحوها مما في البيت من الأشياء المقابلة...
وقد اجتمع في قوله: {وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً} استدلال وامتنان...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
صحيح أنّ في السماوات السبع مليارات من الكواكب المضيئة والتي هي أكثر ضياءً من الشمس، ولكن ما يهمنا وما يؤثر في حياتنا هي هذه الشمس وكذلك القمر، هذه المنظومة الشمسية التي تضيء الشمس فيها بالنهار والقمر بدوره ينير الليل.
" وجعل القمر فيهن نورا " أي في سماء الدنيا ، كما يقال : أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم ، قاله الأخفش . قال ابن كيسان : إذا كان في إحداهن فهو فيهن . وقال قطرب : " فيهن " بمعنى معهن ، وقاله الكلبي . أي خلق الشمس والقمر مع خلق السموات والأرض . وقال جلة أهل اللغة في قول امرئ القيس :
وهل ينعمن من كان آخرُ{[15388]} عهدِهِ *** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
" في " بمعنى مع . النحاس : وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال : جواب النحويين أنه إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن ، كما تقول : أعطني الثياب المعلمة وإن كنت إنما أعلمت أحدها . وجواب آخر : أنه يروى أن وجه القمر إلى السماء ، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسموات ، ومعنى " نورا " أي لأهل الأرض ، قاله السدي . وقال عطاء : نورا لأهل السماء والأرض . وقال ابن عباس وابن عمر : وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء . " وجعل الشمس سراجا " يعني مصباحا لأهل الأرض ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم . وفي إضاءتها لأهل السماء القولان الأولان حكاه الماوردي . وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس وجهها في السموات وقفاها في الأرض . وقيل : على العكس . وقيل لعبدالله بن عمر : ما بال الشمس تقلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا ؟ فقال : إنها في الصيف في السماء الرابعة ، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمن ، ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء .
ولما كان المحيط لا يتوصل إلى داخله إلى محيط{[68731]} العلم والقدرة ، قال دالاًّ على {[68732]}كمال قدرته و{[68733]}تصرفه معبراً بالجعل الذي يكون عن تصيير وتسبيب : { وجعل القمر } أي الذي ترونه وهو في السماء الدنيا ، وبدأ به لقربه وسرعة حركته وقطعه جميع البروج في كل شهر مرة وغيبته في ليالي السرار ثم ظهوره ، وذلك أعجب في القدرة .
ولما كانت السماء شفافات قال : { فيهن } أي السماوات جميعهن { نوراً } أي لامعاً منتشراً كاشفاً{[68734]} للمرئيات ، أحد وجهيه يضيء لأهل الأرض والثاني لأهل السماوات ، ولما كان نوره مستفاداً{[68735]} من نور الشمس قال : { وجعل } معظماً لها بإعادة العامل { الشمس } أي في السماء الرابعة { سراجاً * } أي نوراً عظيماً كاشفاً لظلمة الليل عن وجه الأرض وهي في السماء الرابعة ، وروى ابن مردويه وعبد الرزاق والطبري{[68736]} عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو{[68737]} رضي الله عنهم : " إن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء ، وأقفيتهما إلى الأرض " ؛ وروى الحاكم{[68738]} منه ذكر القمر وجعلهما سبحانه آية على رؤية عباده المحسنين له في الجنة فإنه يرى كل أحد كلاًّ{[68739]} من مكانه مخلياً به{[68740]} ، وكذلك يرونه سبحانه عياناً جهاراً كما رأوه في الدنيا بالإيمان نظراً واعتباراً ،
قوله : { وجعل القمر فيهن نورا } جعل القمر في السماوات وهو في السماء الدنيا فجاز أن يقال فيهن وإن لم يكن في جميعهن . كما يقال : في المدنية كذا وهو في زاوية من زواياها{[4643]} .
والقمر واحد من الكواكب السيارة التي تدور في أفلاكها المقدورة من هذا الفضاء الواسع في هذا الكون الهائل العجيب . وهو بنوره الساطع ينعكس على الأرض ليبعث فيها الضياء فضلا عما يثيره في واقع البشر من ظواهر الأنس والبهجة .
قوله : { وجعل الشمس سراحا } شبهها بالسراح ، لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيل سراج البيت الظلمة عما حوله . والشمس مصدر الحياة والنشاط والنمو والخير للأرض ومن عليها ، فهي تنشر في الدنيا الإشراق والضياء والدفء وغير ذلك من وجوه المنافع الكثيرة .