اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا} (16)

قوله : { وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً } ، أي : في السماوات ، والقمر إنَّما هو في سماءٍ واحدةٍ منهن قيل : هو في السماء الدنيا ، وإنَّما جاز ذلك لأن بين السماواتِ ملابسة فصح ذلك ، وتقول : زيد في المدينة ، وإنَّما هو في زاوية من زواياها .

وقال ابن كيسانِ : إذا كان في إحداهنَّ فهو فيهنَّ .

وقال قطرب : «فِيهِنَّ » بمعنى : «مَعهُنَّ » .

وقال الكلبيُّ : أي : خلق الشمس والقمر مع خلق السماوات والأرض{[58008]} .

وقال جُلُّ أهل اللغةِ في قول امرئ القيس : [ الطويل ]

4881 - وهَلْ يَنعَمَنْ مَنْ كَانَ آخِرُ عَهدِهِ***ثَلاثِينَ شَهْراً في ثلاثةِ أحْوالِ{[58009]}

«في » بمعنى : «مَعَ » .

وقال النحاس : سألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية . فقال : جوابُ النحويين : أنه إذا جعله في إحداهن ، فقد جعله فيهن ، كما تقول : أعطني الثيابَ المعلمة ، وإن كنت إنما أعلمت أحدها .

وجواب آخر : أنه يروى أنه وجه القمر إلى داخل السماء ، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسماوات ، ومعنى : «نُوْراً » ، أي : لأهل الأرض ، قاله السدي{[58010]} .

وقال عطاءُ : نورٌ لأهل السماوات والأرض .

وقال ابن عباس وابن عمر : وجهه يضيء لأهل الأرض ، وظهره يضيء لأهل السماء{[58011]} .

قوله : { وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً } .

يحتمل أن يكون التقدير : وجعل الشمس فيهن - كما تقدم - والشمس ، قيل : في الرابعة ، وقيل : في الخامسة ، وقيل : في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة والله أعلم .

وقوله : «سِراجَاً » . يعني مصباحاً لأهل الأرض ، ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم ، وفي إضاءتها لأهل السماء ، القولان الأولان ، حكاه الماورديُّ .

وحكى القشيريُّ عن ابن عباسٍ : أن الشمس وجهه في السماوات وقفاه في الأرض{[58012]} .

وقيل : على العكس .

وقيل لعبد الله بن عمر : ما بالُ الشمس تقلينا أحياناً وتبرد علينا أحياناً ؟ .

فقال : إنَّها في الصيف في السماء الرابعة ، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمنِ ، ولو كانت في السَّماء الدنيا ، لما قام لها شيء{[58013]} .

ولما كانت الشمس سبباً لزوال الليلِ وهو ظل الأرض أشبهت السِّراجَ ، وأيضاً فالسراجُ له ضوءٌ والقمرُ له نورٌ ، والضوء أقوى من النور ، فجعل للشمس كما قال { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاءً والقمر نُوراً }[ يونس : 5 ] .


[58008]:ينظر القرطبي 18/197.
[58009]:ينظر ديوانه ص (27)، وأدب الكاتب ص 518، وجمهرة اللغة ص 1315، وخزانة الأدب 1/62، والجنى الداني ص 252، وجواهر الأدب ص 230، والدرر 4/149، وشرح شواهد المغني 1/486، والخصائص 2/313، ورصف المباني ص 391، وشرح الأشموني 2/292، ولسان العرب (فيا) ومغني اللبيب 1/169، وهمع الهوامع 2/30.
[58010]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/102) والقرطبي (18/197).
[58011]:ينظر المصدر السابق.
[58012]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/197).
[58013]:ينظر المصدر السابق.