التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا} (16)

{ وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً } أى : وجعل - سبحانه - بقدرته القمر فى السماء الدنيا نورا للأرض ومن فيها .

وإنما قال { فِيهِنَّ } مع أنه فى السماء الدنيا ، لأنها محاطة بسائر السموات فما فيها يكون كأنه فى الكل . أو لأن كل واحدة منها شفافة ، فيرى الكل كأنه سماء واحدة . فساغ أن يقال فيهن .

وقوله : { وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً } أى : كالسراج فى إضاءتها وتوهجها وإزالة ظلمة الليل ، إذ السراج هو المصباح الزاهر نوره ، الذى يضئ ما حوله .

قال الآلوسى : قوله { وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً } أى : منوراً لوجه الأرض فى ظلمة الليل ، وجعله فيهن مع أنه فى إحداهن - وهى السماء الدنيا - ، كما يقال : زيد فى بغداد وهو فى بقعة منها . والمراجح له الإِيجاز والملابسة بالكلية والجزئية ، وكونا طباقا شفاة .

{ وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً } يزيل الظلمة . . وتنوينه للتعظيم ، وفى الكلام تشبيه بليغ ولكون السراج أعرف وأقرب ، جعل مشبها به ، ولاعتبار التعدى إلى الغير فى مفهومه بخلاف النور ، كان أبلغ منه .

وقال بعض العلماء : وفى جعل القمر نورا ، إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته . فإن القمر مظلم . وإنما يستضئ بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه ، بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعض وتمام ، هو أثر ظهوره هلالا . . ثم بدرا .

وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجا ، لأنها ملتهبة ، وأنوارها ذاتية فيها ، صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر ، مثل أنوار السراج تملأ البيت .

ثم انتقل نوح - عليه السلام - من تنبيههم إلى ما فى خلق السموات والشمس والقمر من دلالة على وحدانية الله وقدرته . . إلى لفت أنظارهم إلى التأمل فى خلق أنفسهم ، وفى مبدئهم وإعادتهم إلى الحياة مرة أخرى بعد موتهم ، فقال -