تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا} (16)

الآية 16 : وقوله تعالى : { وجعل القمر فيهن نورا } منهم من يذكر أنه جعله نورا في السماء الدنيا ، وأضافه إلى جملة السماوات . وقد يجوز أيضا أن يضاف الشيء إلى العدد ، وإن لم يكن يوجد ذلك إلا في البعض ؛ يقال : في سبع قبائل مسجد واحد ، والمسجد إذا كان واحدا ، فهو لا يكون في سبع قبائل ، وإنما يكون في قبيلة واحدة ، ويقال : فلان يتوارى في دور قوم{[22200]} ، وهو لا يكون متواريا في واحدة منهن ، ثم أضيف التواري إلى الجملة فكذلك أضاف نور القمر إلى السماوات السبع ، وإن كان القمر في سماء واحدة .

ومنهم من ذكر أن نور القمر قد أحاط بجميع السماوات ، وزعم أن وجهه إلى السماوات ، وظهره إلى أهل الأرض ، ولهذا ما يعمل عليه السواتر من السحاب وغيرها . فأما نور وجهه فإنه لا يستره شيء من السواتر . ولكن هذا إنما يعرف بالخبر . فإن صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم خبر فذلك حق{[22201]} ، وإلا فالإمساك عن مثله أحق .

وقوله تعالى : { وجعل الشمس سراجا } ذكر السراج ههنا مكان الضوء وفي{[22202]} موضع آخر ، وهو قوله عز وجل : { هو الذي جعل الشمس ضياء }[ يونس : 5 ] فذكر في القمر النور{[22203]} وفي الشمس الضياء لأن القمر يكون في وقت الحاجة إلى النور ، وذلك في ظلمة الليل . ثم الله تعالى أنشأ الليل ليسكن فيه . لكن قد يبدو للخلائق بالليل حوائج يحتاجون إلى قضائها ، فمنّ الله تعالى عليهم بنور القمر ليتوصلوا بنوره إلى قضاء حوائجهم ، وجعل الشمس ضياء ليختطف ضوؤها نور الليل ويغلب عليه ، ولا يختطف نور النهار نور الشمس ، والله أعلم .


[22200]:أدرج في الأصل بعدها: وهو لا يكون متواريا في دور قوم.
[22201]:في الأصل و م: هو.
[22202]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[22203]:في الأصل و م: نورا.