فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلَ ٱلۡقَمَرَ فِيهِنَّ نُورٗا وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجٗا} (16)

{ وجعل القمر فيهن نورا } أي منورا لوجه الأرض وجعل القمر في السماوات مع كونه في سماء الدنيا لأنه إذا كان في إحداهن فهو فيهن كذا قال ابن كيسان وأبو السعود ، قال الأخفش : كما تقول أتاني بنو تميم والمراد بعضهم أو لأن كل واحدة منها شفافة لا تحجب ما وراءها فيرى الكل كأنه سماء واحدة ، ومن ضرورة ذلك أن يكون ما في كل واحدة منها كأنه في الكل ، وقال قطرب " فيهن " بمعنى معهن أي خلق الشمس والقمر مع خلق السماوات والأرض ، قال ابن عباس : وجهه في السماء إلى العرش وقفاه إلى الأرض وعنه قال خلق فيهن حين خلقهن ضياء لأهل الأرض وليس من ضوئه في السماء شيء .

{ وجعل الشمس } فيهن { سراجا } أي كالمصباح لأهل الأرض ليتوصلوا بذلك إلى التصرف فيما يحتاجون إليه من المعاش ، عن ابن عمرو : قال الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض ، وأنا أقرأ بذلك عليكم أية من كتاب يعني هذه الآية ، وعن ابن عمر قال في الآية تضيء لأهل السماوات كما تضيء لأهل الأرض ، وعن شهر بن حوشب قال : اجتمع عبد الله بن العاص وكعب الأحبار ، وكان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك فقال ابن عمرو لكعب سلني عما شئت فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن ، فقال له أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السماوات السبع كما هو في الأرض ؟ قال نعم ألم تر إلى قول الله ، يعني هذه الآية ، قال النسفي : أجمعوا على أن الشمس في السماء الرابعة وضوءها أقوى من نور القمر ، وقيل في الخامسة وقيل في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة ( {[1639]} ) .


[1639]:قال ابن جرير الطبري: وقوله:{وجعل القمر فيهن نورا} يقول: وجعل القمر في السماوات السبع نورا، وجعل الشمس فيهن سراجا، وقال ابن كثير: المقصود أن الله سبحانه وتعالى: خلق سبع سماوات طباقا، وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا، أي: فاوت بينهما في الاستنارة، فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدّر للقمر منازل وبروجا، وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى، ثم يشرع في النقص حتى يستسر ليدل على مضي الشهور والأعوام، كما قال تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون}. وقال الألوسي:{وجعل القمر فيهن نورا} منوّرا لوجه الأرض في ظلمة الليل، وجعله فيهن مع أنه في إحداهن وهي السماء الدنيا، كما يقال: زيد في بغداد وهو في بقعة منها، والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية وكونها طباقا شفافة.