تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

يولج : يُدخل ، والمعنى : يضيف الليل الى النهار والعكس بالعكس .

نحن نرى دائماً تقلُّب الليل وتناقصَهما وزيادتهما عند اختلاف الفصول ، لذلك ألِفْنا هذه الآيات ، مع أنها حقاً من المعجزات ، فهذا الكون وما فيه من آيات عجيبة واسعة تحير الألباب ، واللهُ وحده القادرُ على إنشاء هذا النظام الدقيق العجيب وحفظه . وكل ما نرى في هذا الكون متحرك { يجري إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } ووقتٍ معلوم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

ولما قرر هذه الآية الخارقة ، دل عليها بأمر محسوس{[54189]} يشاهد كل يوم مرتين ، مع دلالته على تسخير ما في السماوات والأرض ، وإبطال قولهم :{ ما يهلكنا إلا الدهر }[ الجاثية : 24 ] بأنه ، هو الذي أوجد الزمان بتحريك الأفلاك ، خاصاً بالخطاب من لا يفهم ذلك{[54190]} حق فهمه غيره ، أو عاماً كل عاقل ، إشارة إلى أنه في دلالته على البعث في غاية الوضوح فقال : { ألم تر } أي يا من يصلح لمثل هذا الخطاب ، ويمكن أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم ذلك من المخلوقين حق علمه غيره .

ولما كان {[54191]}البعث مثل{[54192]} إيجاد كل من الملوين بعد إعدامه ، فكان إنكاره{[54193]} إنكارً لهذا ، نبه على ذلك بالتأكيد{[54194]} فقال : { أن الله } أي{[54195]} بجلاله وعز كماله { يولج } أي يدخل{[54196]} إدخالاً لا مرية فيه { الليل في النهار } فيغيب فيه بحيث لا يرى شيء منه ، فإذا النهار قد{[54197]} عم الأرض كلها أسرع من اللمح { ويولج النهار } أي يدخله كذلك { في الليل } فيخفي حتى لا يبقى له أثر ، فإذا الليل قد طبق الآفاق{[54198]} : مشارقها ومغاربها في مثل الظرف ، فيميز سبحانه كلاً منهما - وهو معنى من المعاني - من الآخر بعد إضمحلاله ، فكذلك الخلق والبعث في قدرته بعزته وحكمته لبلوغ سمعه ونفوذ بصره ، ولما كان هذا معنى من المعاني يتجدد في كل يوم وليلة ، عبر فيه{[54199]} بالمضارع .

ولما كان النيران جرمين عظيمين قد صرفا على طريق معلوم بقدر لا يختلف ، عبر فيهما بالماضي عقب ما هما آيتاه {[54200]}فقال : { وسخر الشمس } آية للنهار بدخول الليل فيه { والقمر } آية لليل كذلك ! ثم استأنف ما سخرا فيه{[54201]} فقال : { كل } أي منهما { يجري } أي{[54202]} في فلكه سائراً متمادياً و{[54203]} بالغاً ومنتهياً .

ولما كان محط مقصود السورة الحكمة ، وكانت هذه الدار مرتبطة بحكمة الأسباب والتطوير ، والمد في الإبداع والتسيير ، كان الموضع{[54204]} لحرف الغاية فقال : { إلى أجل مسمى } لا يتعداه في منازل معروفة في جميع الفلك لا يزيد ولا ينقص ، هذا يقطعها في الشهر{[54205]} مرة وتلك في السنة مرة ، لا يقدرواحد منهما أن يتعدى طوره ، ولا أن ينقص دوره ، ولا أن يغير سيره .

ولما بان بهذا التدبير المحكم ، في هذا{[54206]} الأعظم ، شمول علمه وتمام قدرته ، عطف على{[54207]} " أن الله " قوله مؤكداً لأجل أن أفعالهم أفعال من ينكر علمه بها : { وأن الله } أي بما له من صفات الكمال المذكورة وغيرها ، وقدم الجار إشارة إلى تمام علمه{[54208]} بالأعمال كما مضت الإشارة إليه غير مرة ، وعم الخطاب بياناً لما قبله وترغيباً وترهيباً{[54209]} فقال : { بما تعملون } أي{[54210]} في كل وقت على سبيل التجدد { خبير * } لا يعجزه شيء منه{[54211]} ولا يخفى عنه ، لأنه الخالق له كله دقه وجله ، وليس للعبد في إيجاده غير الكسب لأنه لا يعلم مقدار الحركات والسكنات في شيء منه ، ولو كان هو الموجد له لعلم ذلك لأنه لا يقدر على الإيجاد ناقص العلم أصلاً ، وكم{[54212]} أخبر سبحانه في كتبه وعلى لسان أنبيائه بأشياء مستقبلية من أمور العباد ، فكان ما قاله كما قاله ، لم{[54213]} يقدر أحد منهم{[54214]} أن يخالف في شيء مما قاله ، فتمت كلماته ، وصدقت إشاراته وعباراته ، وهذا دليل آخر على تمام القدرة على البعث وغيره باعتبار أن الخلائق في جميع الأرض يفوتون الحصر ، وكل منهم لا ينفك في كل لحظة عن{[54215]} عمل من حركة وسكون ، وهو سبحانه الموجد لذلك كله في كل{[54216]} أن دائماً ما تعاقب الملوان ، وبقي الزمان ، لا يشغله شأن منه عن شأن ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم لما خوطبوا{[54217]} بهذا في غاية العلم به{[54218]} . لما ذكر من دليله ، ولما شاهدوا من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن مغيبات تتعلق بأناس غائبين وأناس حاضرين ، منهم البعيد جداً والمتوسط والقريب ، وغير ذلك من أحوال توجب القطع لهم بذلك ، هذا علمهم فكيف يكون عالم المخصوص في هذه الآية بالخطاب صلى الله عليه وسلم ، مع ما يشاهد من آثاره سبحانه وتعالى ، ويطلع عليه من إبداعه في ملكوت السماوات والأرض وغير ذلك مما أطلعه عليه سبحانه وتعالى من عالم الغيب والشهادة .


[54189]:زيد من ظ وم ومد.
[54190]:سقط من ظ.
[54191]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المبعث قبل.
[54192]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: المبعث قبل.
[54193]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إشارة.
[54194]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: التأكيد.
[54195]:زيد من ظ وم ومد.
[54196]:زيد في م: أي.
[54197]:زيد من ظ وم ومد.
[54198]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالآفاق.
[54199]:سقط من ظ.
[54200]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[54201]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[54202]:زيد من م ومد.
[54203]:زيد من ظ وم ومد.
[54204]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الوضع.
[54205]:زيد من ظ وم ومد.
[54206]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: هذه.
[54207]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[54208]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: العلم.
[54209]:زيد من ظ ومد.
[54210]:سقط من ظ وم ومد.
[54211]:زيد من ظ ومد.
[54212]:في ظ: كما.
[54213]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا.
[54214]:زيد من ظ وم ومد.
[54215]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[54216]:زيد من ظ وم ومد.
[54217]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: حواطوا.
[54218]:زيد من ظ وم ومد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 29 ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } .

يصلح الخطاب ههنا لكل أحد من الناس ، والاستفهام يستفاد منه التنبيه والتذكير على حقيقة كونية من صنع الله تدل على أن الله حق ، وأنه الغالب المقتدر ؛ فهو سبحانه { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ } أي يدخل كل واحد منهما في الآخر ، وذلك أن الله جلت قدرته يزيد من نقصان ساعات الليل في ساعات النهار . وهو قوله : { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ } وكذلك يزيد من نقصان ساعات النهار في ساعات الليل وهو قوله : { وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ } .

{ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } أي ذللهما لمنافع العباد ، ومن أجل أن تستقر الحياة وتستقيم على وجه الأرض . والشمس قد وضعها الله في مكان مناسب ومقدور فلا هي أبعد مما هي عليه الآن ، ولا أدنى ، بل هي في موضع مقدور موزون ، صنع الله الذي أتقن كل شيء . وكذلك القمر ، جعله الله في مكانه المناسب المقدور انسجاما مع قانون الطبيعة ونجومها وكواكبها المتسقة ، ومراعاة لقانون الجاذبية المتبادلة بين الأرض والقمر .

وأيما خلل في مسافة كل من الشمس والقمر عن الأرض سيفضي بالضرورة إلى خلل في مسافة كل من الشمس والقمر عن الأرض سيفضي بالضرورة إلى خلل فظيع واضطراب هائل هائل ومريع في الحياة ومصير الأحياء على ظهر الأرض ، فضلا عن منافع الشمس بدفئها وحرارتها وإشراقها ، وكذا القمر بنوره المشع ، وسطوعه المتلألئ الذي ينشر في الدنيا البهجة والجمال .

قوله : { كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } الشمس والقمر ، كلاهما يجري طيلة هذه الحياة الدنيا ، ثم يسكنان ويسكتان عن الحركة والجريان يوم القيامة .

قوله : { وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } الله مطلع على الأستار والأخبار ، وهو يعلم ما يصدر عن الخلق من أعمال وأقوال فمجازيهم بها يوم القيامة .