تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

وصّينا الإنسان : أمرناه أن يفعل كذا . . ومثله أوصاه .

كُرها : بضم الكاف وفتحها : مشقة .

حَمْله وفصاله : مدة حَمْلِه وفطامه .

أشده : صار بالغا مستحكما القوة والعقل .

أوزِعني : ألهِمني ، رغّبني ، وفقني .

أصلحْ لي في ذريتي : اجعل لي خلَفاً صالحا .

ثم تأتي الوصيّة بالوالدَين ، وقد وردت التوصية بهما في غير آيةٍ لِما للوالدَين من منزلةٍ كبيرة وكريمة في وجود الإنسان .

ووصّينا الإنسانَ بأن يحسِن إلى والديه ويبرَّهما في حياتهما وبعد مماتهما ، وخصَّ الأمَّ بالكلام لأنها تقاسي في حمله مشقةً وتعبا ، وفي وضعه آلاماً كثيرة ، ثم في إرضاعه وتربيته . فالطفلُ يقضي معظم وقتِه مع أمهِ ، وفي رعايتها وحنانها وعطفها . . لهذا كلّه تستحقّ الكرامةَ وجميل الصحبة والبر العظيم . وقد وردت أحاديث كثيرة تحثّ على بِرّ الأمهات .

روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أمَّكَ ثم أمك ثم أمك ، ثم أباك » ورواه أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية بن حيدة .

وهناك حديث مشهور : « الجنّةُ تحت أقدام الأمهات » رواه الخطيب والقضاعي عن أنسٍ رضي الله عنه ، وروي أيضاً عن ابنِ عباس رضي الله عنه .

وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي قال لرجلٍ يسأله عن حقوق الوالدين : «هما جنَّتاك ونارك » وفي البخاري ومُسْلم والترمذي : « أحقُّ الناسِ بالصحبة الأم » والأحاديثُ كثيرة يمكن الرجوع إليها في كتب الحديث .

{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً }

يعني أن مدة الحمل والفطام ثلاثون شهرا ، تكابد الأم فيها الآلامَ الجسمية والنفسية ، فتسهَرُ الليالي العديدةَ على طفلها ، وتغذّيه وتقوم بجميع شئونه بلا ضَجَر ولا ملل .

ويؤخذ من هذه الآية { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } ومن الآية : { والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة } [ البقرة : 233 ] أنّ أقلَّ مدة الحمل ستةُ أشهرٍ فإذا ولدت امرأة ولداً بعد ستة أشهر من دخولها في عصمة الزوج يُعترف به .

حتى إذا بلغ كمالَ قوّته وعقله ببلوغه أربعين سنةً ، ويكون في كامل قواه الجسمية والعقلية ، يقول عندها : ربِّ ألهِمني شُكرَ نعمتك التي تفضّلتَ بها عليّ وعلى والديّ ، ووفقني إلى العمل الصالحِ الذي ترضاه ، وارزقني ذريةً صالحة تسير على درب الهدى والإيمان ، إني تُبت إليك من كلّ ذنب { وَإِنِّي مِنَ المسلمين } المستسلمين لأمرِك ونَهيك .

قراءات :

قرأ أهل الكوفة : إحسانا وقرأ الباقون : حسنا . وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وأبو عمرو : كَرها بفتح الكاف . والباقون : كُرها بضمها وهما لغتان . وقرأ يعقوب : وفصله ، والباقون : وفصاله . وهما لغتان .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

{ ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين }

{ ووصَّينا الإنسان بوالديه حُسناً } وفي قراءة إحساناً ، أي أمرناه أن يحسن إليهما فنصب إحساناً على المصدر بفعله المقدر ومثله حسناً { حملته أمه كرهاً ووضعته كرها } أي على مشقة { وحمله وفصاله } من الرضاع { ثلاثون شهراً } ستة أشهر أقل مدة الحمل والباقي أكثر مدة الرضاع ، وقيل إن حملت بع ستة أو تسعة أرضعته الباقي { حتى } غاية لجملة مقدرة ، أي وعاش حتى { إذا بلغ أشده } هو كمال قوته وعقله ورأيه أقله ثلاث وثلاثون سنة أو ثلاثون { وبلغ أربعين سنةٌ } أي تمامها وهو أكثر الأشد { قال رب } الخ ، نزل في أبي بكر الصديق لما بلغ أربعين سنة بعد سنتين من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ثم آمن أبواه ثم ابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن أبو عتيق { أوزعني } ألهمني { أن أشكر نعمتك التي أنعمت } بها { عليَّ وعلى والديَّ } وهي التوحيد { وأن أعمل صالحاً ترضاه } فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله { وأصلح لي في ذريتي } فكلهم مؤمنون { إني تبت إليك وإني من المسلمين } .