جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله : { وَأمّا مَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُمّهُ هاوِيَةٌ } يقول : وأما من خفّ وزن حسناته ، فمأواه ومسكنه الهاوية ، التي يهوي فيها على رأسه في جهنم.. قال قتادة : هي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، قال : هوت أمه ... قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } قال : الهاوية : النار هي أمّه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ... عن ابن عباس { فَأُمّهُ هاوِيَةٌ } وهو مثلها ، وإنما جعل النار أمّه ؛ لأنها صارت مأواه ، كما تؤوي المرأة ابنها ، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها ، بمنزلة أمّ له .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة : هوت أمّه ؛ لأنه إذا هوى أي : سقط وهلك ، فقد هوت أمّه ثكلاً وحزناً ...
فكأنه قيل : وأما من خفت موازينه فقد هلك . وقيل : { هَاوِيَةٌ } من أسماء النار ، وكأنها النار العميقة لهوي أهل النار فيها مهوى بعيداً ، كما روي : «يهوي فيها سبعين خريفاً » أي : فمأواه النار . وقيل : للمأوى : أمّ ، على التشبيه ؛ لأنّ الأمّ مأوى الولد ومفزعه .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قال كثير من المفسرين : المراد بالأم نفس الهاوية ، وهي درك من أدراك النار ، وهذا كما يقال للأرض : أم الناس ؛ لأنها تؤويهم ، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب : فنحن بنوها ، وهي أمنا ، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إخبار عنه بالشقاء وسوء الحال ، فالأم هنا يجوز أن تكون مستعملة في حقيقتها . وهاوية : هالكة ، والكلام تمثيل لحال من خفّت موازينه يومئذ بحال الهالك في الدنيا لأن العرب يكنون عن حال المرء بحال أمه في الخير والشر لشدة محبتها ابنها فهي أشد سروراً بسروره وأشد حزناً بما يحزنه . ... ويجوز أن يكون « أمه » مستعاراً لمقره ومآله لأنه يأوي إليه كما يأوي الطفل إلى أمه . و{ هاوية } المكان المنخفض بين الجبلين الذي إذا سقط فيه إنسان أو دابة هلك ، يقال : سقط في الهاوية . وأريد بها جهنم ، وقيل : هي اسم لجهنم ، أي فمأواه جهنم ... و { هاوية } ساقطة من قولهم سقط على أم رأسه ، أي هلك ....
" فأمه هاوية " يعني جهنم . وسماها أما ؛ لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه ، قاله ابن زيد . ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
فالأرض معقلُنَا وكانت أمَّنَا *** فيها مقابرُنَا وفيها نُولَدُ
وسميت النار هاوية ؛ لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها . ويروى أن الهاوية اسم الباب الأسفل من النار . وقال قتادة : معنى " فأمه هاوية " فمصيره إلى النار . عكرمة : لأنه يهوي فيها على أم رأسه . الأخفش : " أمه " : مستقره ، والمعنى متقارب . وقال الشاعر :
يا عمرُو لو نالتْكَ أرماحُنَا *** كنتَ كمن تهوِي به الهَاويَهْ
والهاوية : المهواة . وتقول : هوت أمه ، فهي هاوية ، أي ثاكلة ، قال كعب بن سعد الغنوي :
هَوَتْ أمُّهُ{[16329]} ما يبعثُ الصبحُ غاديا *** وماذا يؤدِّي الليل حين يؤُوبُ
والمهوي والمهواة : ما بين الجبلين ، ونحو ذلك . وتهاوى القوم في المهواة : إذا سقط بعضهم في إثر بعض .
{ فأمه هاوية } فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الهاوية جهنم : سميت بذلك لأن الناس يهوون فيها ، أي : يسقطون ، وأمه معناه مأواه ، كقولك : المدينة أم فلان ، أي : مسكنه على التشبيه بالأم الوالدة ؛ لأنها مأوى الولد ومرجعه .
الثاني : أن الأم هي الوالدة ، و{ هاوية } ساقطة ، وذلك عبارة عن هلاكه ، كقولك : أمه ثكلى إذا هلك . الثالث : أن المعنى أم رأسه هاوية في جهنم ، أي : ساقطة فيها ؛ لأنه يطرح فيها منكوسا ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " لا أم لك ، فقال : يا رسول الله تدعوني إلى الهدى وتقول لي : لا أم لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أردت لا نار لك " . قال الله تعالى : { فأمه هاوية } ، وهذا يؤيد القول الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.