تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم حرضه على الكفارة ، فقال :{ فلا اقتحم العقبة } آية وهو مثل ضربه الله عز وجل له يقول : إن الذنوب بين يديك مثل الجبل ، فإذا أعتقت رقبة اقتحم ذلك الذنوب حتى تذوب وتذهب ، كمثل رجل بين يديه عقبة فيقتحم فيستوي بين يديه ، وكذلك من أصاب ذنبا واستغفر ربه ، وكفره بصدقة تتقحم ذنوبه حتى تحطمها تحطيما مثل الجبل إذا خر ، فيستوي مع الأرض ، فذلك قوله :{ فلا اقتحم العقبة } . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "فَلا اقْتَحَم الْعَقَبَةَ" يقول تعالى ذكره : فلم يركب العقبة ، فيقطعها ويجوزها .
وذُكر أن العقبة : جبل في جهنم ... عن قتادة ، قوله : "فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" إنها قحمة شديدة ، فاقتحموها بطاعة الله ...
قال ابن زيد ، وقرأ قول الله : "فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ" قال : أفلا سلك الطريق التي منها النجاة والخير ، ثم قال : وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ ؟ .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فإن كان على الأول فمعناه : أن الذي قال : { أهلكت مالا لبدا } كيف لا كان إنفاقه في فك الرقبة وفي الإنفاق على اليتيم والمسكين الذي بلغ به الجهد إلى أن ألصق بالتراب ، ويكون من جملة من آمنوا بالله تعالى { وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة } [ الآية : 17 ] ليكون من أصحاب الميمنة ، ويكتب بذلك الحياة الطبية في الآخرة دون أن تكون العاقبة في الملاهي وشهوات النفس ؟ فلم يحصل لنفسه حمدا ولا أجرا في العقبى ، بل صار من أصحاب المشأمة ، فيكون ما بعد قوله : { أهلكت مالا لبدا } صلة له وتفسيرا . وإن كان التأويل على النفي ، ففيه تكذيب في ما يزعم أنه أنفق مالا لبدا ، فنقول : لو كان ما يظن ذلك بفك الرقاب والإنفاق على اليتيم وعلى المسكين الذي ، هو ذو متربة ، فيكون هذا كله صلة قوله عز وجل : { أهلكت مالا لبدا } أيضا .....
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...والمعنى: هلا دخل في البر على صعوبة كصعوبة اقتحام العقبة ، والعقبة الطريقة التي ترتقى على صعوبة، ويحتاج فيها إلى معاقبة الشدة بالتضييق والمخاطرة ....
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
يعني : فلم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة : من فك الرقاب وإطعام اليتامى والمساكين ، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة ، وأساس كل خير ؛ بل غمط النعم وكفر بالمنعم . والمعنى : أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضي النافع عند الله ، لا أن يهلك مالاً لبداً في الرياء والفخار ، فيكون مثله { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ . . . } [ آل عمران : 117 ] الآية ....
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
في هذه الآية على عرف كلام العرب ، استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل ، وهي ما صعب منه وكان صعوداً ، و { اقتحم } معناه : دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة ، ... واختلف الناس في قوله { فلا } فقال جمهور المتأولين : هو تحضيض بمعنى «فألا » ، وقال آخرون وهو دعاء بمعنى أنه ممن يستحق أن يدعى عليه بأن لا يفعل خيراً ، وقيل هي نفي ، أي «فما اقتحم » ، وقال أبو عبيدة والزجاج وهذا نحو قوله تعالى : { فلا صدق ولا صلى } [ القيامة : 31 ] فهو نفي محض كأنه قال : وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل فما فعل خيراً . ...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
الْمَعْنَى: فَلَمْ يَأْتِ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُسَهِّلُ لَهُ سُلُوكَ الْعَقَبَةِ فِي الْآخِرَةِ .
تَحْقِيقُهُ : وَمَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ ؛ أَيُّ شَيْءٍ يَقْتَحِمُ بِهِ الْعَقَبَةَ ؛ لِأَنَّ الِاقْتِحَامَ يَدُلُّ عَلَى مُقْتَحَمٍ بِهِ ، وَهُوَ مَا فَسَّرَهُ من الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ : أَوَّلُهَا فَكُّ رَقَبَةٍ . ...
{ فلا اقتحم العقبة } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الاقتحام الدخول في الأمر الشديد ....
{ وما أدراك ما العقبة } فسره بفك الرقبة وبالإطعام.
( الوجه الثاني ) : في تفسير العقبة هو أن ذكر العقبة ههنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر ...
وأقول هذا التفسير هو الحق لأن الإنسان يريد أن يترقى من عالم الحس والخيال إلى يفاع عالم الأنوار الإلهية ولا شك أن بينه وبينها عقبات سامية دونها صواعق حامية ، ومجاوزتها صعبة والترقي إليها شديد ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فلا اقتحم } أي وثب ورمى بنفسه بسرعة وضغط وشدة حتى كان من شدة المحبة لما يراه فيما دخل فيه من الخير . كأنه أتاه من غير فكر ولا روية بل هجماً { العقبة } وهي طريق النجاة ، والمقرر في اللغة أنها الطريق الصاعد في الجبل المستعار اسمها لأفعال البر المقرر في النفوس أنها مريحة لا متعبة ، مع كونها أعظم فخراً وأعلى منقبة ، لأنا حجبناه عنها بأيدينا وعظيم قوتنا وعجيب قدرتنا ، وذلك أن الخير لما كان محبباً إلى القلوب معشوقاً للنفوس مرغوباً فيه لا يعدل عنه أحد ، جعلناه في بادئ الأمر كريهاً وعلى النفوس مستصعباً ثقيلاً حتى صار لمخالفته الهوى كأنه عقبة كؤود ، لا ينال ما فيه من مشقة الصعود ، إلا بعزم شديد وهمة ماضية ، ونية جازمة ، ورياضة وتدريب ، وتأديب وتهذيب ، وشديد مجاهدة وعظيم مكابدة للنفس والهوى والشيطان ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( فلا اقتحم العقبة ) ! ففيه تحضيض ودفع وترغيب ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وأفاد نفي الاقتحام أنه عدل على الاهتداء إيثاراً للعاجل على الآجل ولو عزم وصَبر لاقْتحم العقبة . وقد تتابعت الاستعارات الثلاث : النجدين ، والعقبة ، والاقتحام ، وبُني بعضها على بعض وذلك من أحسن الاستعارة وهي مبنية على تشبيه المعقول بالمحسوس . والكلام مسوق مساق التوبيخ على عدم اهتداء هؤلاء للأعمال الصالحة مع قيام أسباب الاهتداء من الإِدراك والنطق .
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
حض من الله لعباده المؤمنين على مغالبة أنفسهم ، والتغلب عليها بسلوك طريق النجاة والخير . والمراد " باقتحام العقبة " اقتحام الحواجز النفسية والمادية ، التي تحول دون الإيثار والبر والإحسان ، والإقبال على الإنفاق في سبيل الله ، ومن وجوه الإنفاق الصالحة : المساعدة في عتق الأرقاء ، وكفالة اليتامى ، وإطعام المساكين . ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{ فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ } إنها الدعوة لاقتحام هذه العقبة التي لو وقف عندها ولم ينطلق إليها ، لفقد الجنة ولم يحصل على رضى الله ، وربما تعرّض لدخول النار ، ولكنه إذا اقتحمها وتجاوزها ، فإن الطريق إلى رضوان الله سوف تنفتح له بأقرب الوسائل .
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
- التنديد بمن ينفق ماله في معصية الله ورسوله ، والنصح له بالإِنفاق في الخير فإِنه أجدى له ، وأنجى من عذاب الله .
- بيان أن عقبة عذاب الله يوم القيامة تقتحم وتجتاز بالإِنفاق في سبيل الله وبالإِيمان والعمل الصالح والتواصي به . - التنديد بالكفر والوعيد الشديد لأهله...
أي فهلا أنفق ماله الذي يزعم أنه أنفقه في عداوة محمد ، هلا أنفقه لاقتحام العقبة فيأمن . والاقتحام : الرمي بالنفس في شيء من غير روية ، يقال منه : قحم في الأمر قحوما : أي رمى بنفسه فيه من غير روية . وقحم الفرس فارسه . تقحيما على وجهه : إذا رماه . وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير روية . والقُحمة بالضم المهلكة ، والسنة الشديدة . يقال : أصابت الأعراب القُحمة : إذا أصابهم قحط ، فدخلوا الريف . والقُحم : صعاب الطريق . وقال الفراء والزجاج : وذكر " لا " مرة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد " لا " مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع ، حتى يعيدوها في كلام آخر ، كقوله تعالى : " فلا صدق ولا صلى{[16078]} " [ القيامة : 31 ] " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . وإنما أفردوها لدلالة آخر الكلام على معناه ، فيجوز أن يكون قوله : " ثم كان من الذين آمنوا " [ البلد : 17 ] قائما مقام التكرير ، كأنه قال : فلا اقتحم العقبة ولا آمن . وقيل : هو جار مجرى الدعاء ، كقوله : لا نجا ولا سلم . وقال : معنى " فلا اقتحم العقبة " أي فلم يقتحم العقبة ، كقول زهير :
وكان طَوَى كَشْحًا على مُسْتَكِنَّةٍ *** فلا هو أبْدَاهَا ولم يَتَقَدَّمِ{[16079]}
أي فلم يبدها ولم يتقدم . وكذا قال المبرد وأبو علي : " لا " : بمعنى لم . وذكره البخاري عن مجاهد . أي فلم يقتحم العقبة في الدنيا ، فلا يحتاج إلى التكرير . ثم فسر العقبة وركوبها فقال " فك رقبة " وكذا وكذا ، فبين وجوها من القرب المالية . وقال ابن زيد وجماعة من المفسرين : معنى الكلام الاستفهام الذي معناه الإنكار . تقديره : أفلا اقتحم العقبة ، أو هلا اقتحم العقبة . يقول : هلا أنفق ماله في فك الرقاب ، وإطعام السغْبَان ، ليجاوز به العقبة ، فيكون خيرا له من إنفاقه في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قيل : اقتحام العقبة ها هنا ضرب مثل ، أي هل تحمل عظام الأمور في إنفاق ماله في طاعة ربه ، والإيمان به . وهذا إنما يليق بقول من حمل " فلا اقتحم العقبة " على الدعاء ، أي فلا نجا ولا سلم من لم ينفق ماله في كذا وكذا . وقيل : شبه عظم الذنوب وثقلها وشدتها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحا ، كان مثله كمثل من اقتحم العقبة ، وهي الذنوب التي تضره وتؤذيه وتثقله . قال ابن عمر : هذه العقبة جبل في جهنم . وعن أبي رجاء قال : بلغنا أن العقبة مصعدها سبعة آلاف سنة ، ومهبطها سبعة آلاف سنة . وقال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر ، فاقتحموها بطاعة الله . وقال مجاهد والضحاك والكلبي : هي الصراط يضرب على جهنم كحد السيف ، مسيرة ثلاثة آلاف سنة ، سهلا وصعودا وهبوطا . واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء . وقيل : اقتحامه عليه قدر ما يصلي صلاة المكتوبة . وروي عن أبي الدرداء أنه قال : إن وراءنا عقبة ، أنجى الناس منها أخفهم حملا . وقيل : النار نفسها هي العقبة . فروى أبو رجاء عن الحسن قال : بلغنا أنه ما من مسلم يعتق رقبة إلا كانت فداءه من النار . وعن عبد الله بن عمر قال : من أعتق رقبة أعتق الله عز وجل بكل عضو منها عضوا منه . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : [ من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار ، حتى فرجه بفرجه ] . وفي الترمذي عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما ، كان فكاكه من النار ، يجزي كل عضو منه عضوا منه ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة ، كانت فكاكها من النار ، يجزي كل عضو منها عضوا منها ] . قال : هذا حديث حسن صحيح غريب . وقيل : العقبة خلاصه من هول العرض . وقال قتادة وكعب : هي نار دون الجسر . وقال الحسن : هي والله عقبة شديدة : مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان . وأنشد بعضهم :
إني بليتُ بأربعٍ يرمينَنِي *** بالنَّبْلِ قد نَصَبُوا عليَّ شِرَاكَا