البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فلا اقتحم العقبة } : أي لم يشكر تلك النعم السابقة ، والعقبة استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال ، تشبيه بعقبة الجبل ، وهو ما صعب منه ، وكان صعوداً ، فإنه يلحقه مشقة في سلوكها .

واقتحمها : دخلها بسرعة وضغط وشدّة ، والقحمة : الشدّة والسنة الشديدة .

ويقال : قحم في الأمر قحوماً : رمى نفسه فيه من غير روية .

والظاهر أن لا للنفي ، وهو قول أبي عبيدة والفرّاء والزجاج ، كأنه قال : وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل ، فما فعل خيراً ، أي فلم يقتحم .

قال الفرّاء والزجاج : ذكر لا مرة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي حتى تعيد ، كقوله تعالى : { فلا صدق ولا صلى } وإنما أفردها لدلالة آخر الكلام على معناه ، فيجوز أن يكون قوله : { ثم كان من الذين آمنوا } ، قائماً مقام التكرير ، كأنه قال : فلا اقتحم العقبة ولا آمن .

وقيل : هو جار مجرى الدعاء ، كقوله : لا نجا ولا سلم ، دعاء عليه أن لا يفعل خيراً .

وقيل : هو تحضيض بألا ، ولا نعرف أن لا وحدها تكون للتحضيض ، وليس معها الهمزة .

وقيل : العقبة : جهنم ، لا ينجي منها إلا هذه الأعمال ، قاله الحسن .

وقال ابن عباس ومجاهد وكعب : جبل في جهنم .

وقال الزمخشري ، بعد أن تنحل مقالة الفرّاء والزجاج : هي بمعنى لا متكررة في المعنى ، لأن معنى { فلا اقتحم العقبة } : فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً .

ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك ؟ انتهى .