الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ } يعني فلم يجاوز بهذا الإنسان العقبة فيأمر . قال الفراء أفرد قوله : { فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ } بذكر لا مرّة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي ، وفي مثل هذا الموضع حتّى يعيدوها عليه في كلام آخر ، كما قال :

{ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى } [ القيامة : 31 ]

{ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] ، وانّما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه من إعادتها مرّة واحدة ، وذلك أنّه فسّر اقتحام العقبة بأشياء فقال : { فَكُّ رَقَبَةٍ } الآية ، فكأنه قال في أوّل الكلام فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا .

وقال بعضهم : معنى الكلام الاستفهام ، تقديره أفلا اقتحم العقبة ، وإليه ذهب ابن زيد وجماعة من المفسِّرين ، يقول : فهلاّ أنفق ماله في فك الرقاب وإطعام السغبان ليتجاوز بها العقبة ويكون خيراً له من إنفاقه على عداوة محمّد ، ويقال : إنّه شبّه عظم الذنب وثقلها على مرتكبها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحاً كان مثله مثل من اقتحم تلك العقبة ، وهي الذنوب حتّى تذهب وتذوب ، كمن يقتحم عقبة فيستوي عليها ونحوها .

وذكر عن ابن عمران : أنّ هذه العقبة جبل في جهنّم ، وقال كعب : هي سبعون دركة في جهنّم ، وقال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله سبحانه ، وقال مجاهد والضحّاك والكلبي : هي الصراط يضرب على جهنّم كحدّ السيف مسيرة ثلاثة آلاف سهلاً وصعوداً وهبوطاً ، وأنّ لجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنّها شوك السعدان ، فناج مسلم وناج مخدوس ومكردس في النار منكوس ، فمن الناس من يمرّ عليه كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ عليه كالريح العاصف ، ومنهم من يمرّ عليه كالفارس ، ومنهم من يمرّ عليه كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم الزالّون والزالاّت ، ومنهم من يكردس في النار ، واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء .

وقال قتادة : هذا مثلٌ ضربه الله سبحانه يقول : إنّ المعتق والمطعم تقاحم نفسه وشيطانه مثل من يتلكّف صعود العقبة ، وقال ابن زيد يقول : فهلاّ سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثمّ بيّن ما هي فقال :{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ }