فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فَلاَ اقتحم العقبة } الاقتحام : الرمي بالنفس في شيء من غير روية ، يقال منه : قحم في الأمر قحوماً : أي رمى بنفسه فيه من غير روية ، وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير روية ، والقحمة بالضم المهلكة . والعقبة في الأصل الطريق التي في الجبل ، سميت بذلك لصعوبة سلوكها ، وهو مثل ضربه سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر ، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة . قال الفرّاء والزجاج : ذكر سبحانه هنا : «لا » مرة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى } [ القيامة : 31 ] وإنما أفردها هنا لدلالة آخر الكلام على معناه ، فيجوز أن يكون قوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ } قائماً مقام التكرير كأنه قال : فلا اقتحم العقبة ، ولا آمن . قال المبرد وأبو علي الفارسي : إن «لا » هنا بمعنى لم : أي فلم يقتحم العقبة ، وروي نحو ذلك عن مجاهد ، فلهذا لم يحتج إلى التكرير ، ومنه قول زهير :

وكان طوى كشحاً على مستكنة *** فلا هو أبداها ولم يتقدّم

أي فلم يبدها ولم يتقدم ، وقيل : هو جار مجرى الدعاء كقولهم : لا نجاء . قال أبو زيد وجماعة من المفسرين : معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار ، تقديره : أفلا اقتحم العقبة ، أو هلاَّ اقتحم العقبة .

/خ20