الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فَلاَ اقتحم العقبة } يعني : فلم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة : من فك الرقاب وإطعام اليتامى والمساكين ، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة ، وأساس كل خير ؛ بل غمط النعم وكفر بالمنعم . والمعنى : أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضي النافع عند الله ، لا أن يهلك مالاً لبداً في الرياء والفخار ، فيكون مثله { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ . . . } [ آل عمران : 117 ] الآية .

فإن قلت : قلما تقع «لا » الداخلة على الماضي إلاّ مكرره ، ونحو قوله :

فَأَيُّ أَمْرٍ سَيِّىءٍ لاَ فَعَلَه ***

لا يكاد يقع ، فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح ؟ قلت : هي متكرّرة في المعنى ؛ لأن معنى { فَلاَ اقتحم العقبة ( 11 ) } فلا فكّ رقبة ، ولا أطعم مسكيناً . ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك . وقال الزجاج قوله : ( ثم كان من الذين أمنوا ) يدل على معنى : { فَلاَ اقتحم العقبة ( 11 ) } ، ولا آمن . والاقتحام : الدخول والمجاوزة بشدّة ومشقة . والقحمة : الشدة ، وجعل الصالحة : عقبة ، وعملها : اقتحاماً لها ، لما في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس . وعن الحسن : عقبة والله شديدة . مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدّوه الشيطان .