فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فلا اقتحم العقبة } الاقتحام الرمي بالنفس في شيء من غير روية ، يقال منه قحم في الأمر قحوما أي رمى بنفسه في الأمر من غير روية وتقحيم النفس في الشيء إدخالها فيه عن غير روية ، والقحمة بالضم المهلكة ، والعقبة في الأصل الطريق الصعب التي في الجبل سميت بذلك لصعوبة سلوكها .

وهو مثل ضربه الله سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة .

قال الفراء والزجاج : ذكر سبحانه هنا { لا } مرة واحدة والعرب لا تكاد تفرد { لا } مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها في كلام آخر كقوله : { فلا صدق ولا صلى } وإنما أفرد ههنا لدلالة آخر الكلام على معناه فيجوز أن يكون قوله : { ثم كان من الذين آمنوا } قائما مقام التكرير ، كأنه قال فلا اقتحم العقبة ولا آمن .

قال المبرد وأبو علي الفارسي : أن " لا " هنا بمعنى لم أي فلم يقتحم ، وروي نحو ذلك عن مجاهد ، فلهذا لم يحتج إلى التكرير ، وقيل هو جار مجرى الدعاء كقوله لا نجا .

قال ابن زيد وجماعة من المفسرين : معنى الكلام هنا الاستفهام الذي بمعنى الإنكار تقديره أفلا اقتحم العقبة أو هلا اقتحم العقبة ، قال ابن عمر في العقبة جبل زلال في جهنم ، وقال ابن عباس العقبة النار ، وعنه قال عقبة بين الجن والنار ، وقال قتادة وكعب : هي نار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله ، وقال الحسن : هي والله عقبة شديدة مجاهدة نفسه وهواه وعداوة الشيطان . وقيل العقبة خلاصه من هول العرض ، وقال مجاهد والضحاك والكلبي هي الصراط الذي يضرب على جهنم كحد السيف .

وعن عائشة قالت لما نزل { فلا اقتحم العقبة } قيل يا رسول الله ما عند أحدنا ما يعتق إلا أن عند أحدنا الجارية السوداء تخدمه فلو أمرناهن بالزنا فجئن بالأولاد فأعتقناهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن آمر بالزنا ثم أعتق الولد " أخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأخرجه ابن جرير عنها بلفظ " لعلاقة سوط في سبيل الله أعظم أجرا من هذا " .