السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

{ فلا اقتحم العقبة } ، أي : فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة من فك الرقاب وإطعام المساكين والأيتام بل غمط النعم وكفر بالمنعم .

والمعنى : أن الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضي النافع عند الله تعالى ، لا أن يهلك مالاً لبداً في الرياء والفخر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم فيكون على هذا الوجه { كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم } [ آل عمران : 117 ] الآية . وقيل : معناه لم يقتحمها و لا جاوزها و الاقتحام الدخول في الأمر الشديد ، وذكر العقبة مثل ضربة الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البرّ فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة يقول الله تعالى لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام ، وهذا معنى قول قتادة وقيل : إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة وأطعم المساكين كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها وروى عن ابن عمر أنّ هذه العقبة جبل في جهنم ، وقال الحسن : هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله تعالى ومجاهدة النفس . وقال مجاهد : هي الصراط يضرب على متن جهنم كحد السيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة صعوداً وهبوطاً واستواء ، وإنّ بجنبيه كلاليب وخطاطيف كأنها شوك السعدان ، فناجٍ مسلم وناجٍ مخدوش ، ومكردس في النار منكوس ، وفي الناس من يمرّ كالريح العاصف ، ومنهم من يمرّ كالرجل يعدو ، ومنهم من يمرّ كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم الزالون ، ومنهم من يكردس في النار . وقال ابن زيد : فهلا سلك طريق النجاة .