مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ} (11)

ثم إنه سبحانه وتعالى دل عباده على الوجوه الفاضلة التي تنفق فيها الأموال ، وعرف هذا الكافر أن إنفاقه كان فاسدا وغير مفيد فقال تعالى : { فلا اقتحم العقبة } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الاقتحام الدخول في الأمر الشديد يقال : قحم يقحم قحوما ، واقتحم اقتحاما وتقحم تقحما إذا ركب القحم ، وهي المهالك والأمور العظام والعقبة طريق في الجبل ، وعر ، الجمع العقب والعقاب ، ثم ذكر المفسرون في العقبة ههنا وجهين ( الأول ) : أنها في الآخرة وقال عطاء : يريد عقبة جهنم ، وقال الكلبي : هي عقبة بين الجنة والنار ، وقال ابن عمر هي : جبل زلال في جهنم وقال مجاهد والضحاك : هي الصراط يضرب على جهنم ، وهو معنى قول الكلبي : إنها عقبة الجنة والنار ، قال الواحدي : وهذا تفسير فيه نظر لأن من المعلوم أن [ بني ] هذا الإنسان وغيره لم يقتحموا عقبة جهنم ولا جاوزوها فحمل الآية عليه يكون إيضاحا للواضحات ، ويدل عليه أنه لما قال : { وما أدراك ما العقبة } فسره بفك الرقبة وبالإطعام ( الوجه الثاني ) : في تفسير العقبة هو أن ذكر العقبة ههنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر ، وهو قول الحسن ومقاتل : قال الحسن عقبة الله شديدة وهي مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه من شياطين الإنس والجن ، وأقول هذا التفسير هو الحق لأن الإنسان يريد أن يترقى من عالم الحس والخيال إلى يفاع عالم الأنوار الإلهية ولا شك أن بينه وبينها عقبات سامية دونها صواعق حامية ، ومجاوزتها صعبة والترقي إليها شديد .

المسألة الثانية : أن في الآية إشكالا وهو أنه قلما توجد لا الداخلة على المضي إلا مكررة ، تقول : لا جنبني ولا بعدني قال تعالى : { فلا صدق ولا صلى } وفي هذه الآية ما جاء التكرير فما السبب فيه ؟ أجيب عنه من وجوه ( الأول ) : قال الزجاج : إنها متكررة في المعنى لأن معنى { فلا اقتحم العقبة } فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك ، وقوله : { ثم كان من الذين آمنوا } يدل أيضا على معنى { فلا اقتحم العقبة } ولا آمن ( الثاني ) : قال أبو علي الفارسي : معنى { فلا اقتحم العقبة } لم يقتحمها ، وإذا كانت لا بمعنى لم كان التكرير غير واجب كما لا يجب التكرير مع لم ، فإن تكررت في موضع نحو { فلا صدق ولا صلى } فهو كتكرر ولم : نحو { لم يسرفوا ولم يقتروا } .

المسألة الثالثة : قال القفال : قوله : { فلا اقتحم العقبة } أي هلا أنفق ماله فيما فيه اقتحام العقبة ؟ وأما الباقون فإنهم أجروا اللفظ على ظاهره وهو الإخبار بأنه ما اقتحم العقبة .