تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

ظاهر الحياة الدنيا : هو كل ما يشاهَد ويدرك بالحواس .

ثم لا يتجاوزون هذا الظاهرَ ولا يرون ببصيرتهم ما وراءه . وظاهرُ الحياة الدنيا محدودٌ صغير مهما بدا للناس واسعاً شاملا . فما هذه الأرض بل هذا النظام الشمسي بأجمعه إلا ذرةً في هذا الكون الكبير الذي لا نعرف عنه شيئا . . . .

{ وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غَافِلُونَ } :

فالآخرة حياةٌ ثانية تختلف عن كل ما نرى وما نعلم ، وهي صفحة من صفحات الوجود الكثيرة ، وصاحبُ الحظ من تزوّد لها ، وعمل لها الأعمال الصالحة ، { فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

وهؤلاء الذين لا يعلمون أي : لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها . وإنما { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا ، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسببها المتصرف فيها .

{ وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة ، فلا الجنة تشتاق إليها ولا النار تخافها وتخشاها ولا المقام بين يدي اللّه ولقائه يروعها ويزعجها وهذا علامة الشقاء وعنوان الغفلة عن الآخرة .

ومن العجب أن هذا القسم من الناس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذكاء في ظاهر الدنيا إلى أمر يحير العقول ويدهش الألباب .

وأظهروا من العجائب الذرية{[638]} والكهربائية والمراكب البرية والبحرية والهوائية ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عما أقدرهم اللّه عليه ، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد الناس في أمر دينهم وأشدهم غفلة عن آخرتهم وأقلهم معرفة بالعواقب ، قد رآهم أهل البصائر النافذة في جهلهم يتخبطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يترددون{[639]} نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون .

ثم{[640]} نظروا إلى ما أعطاهم اللّه وأقدرهم عليه من الأفكار الدقيقة في الدنيا وظاهرها و[ ما ] حرموا من العقل العالي فعرفوا{[641]} أن الأمر للّه والحكم له في عباده وإن هو إلا توفيقه وخذلانه فخافوا{[642]} ربهم وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه ، ويحلوا بساحته [ وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه لأثمرت الرُّقِيَّ العالي والحياة الطيبة ، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير ]{[643]}


[638]:- كذا في ب، وفي أ: النارية.
[639]:- كذا في ب، وفي أ: يتردون.
[640]:- هكذا في النسختين وقد شطبت الكلمة في ب، وجعل بدلها (ولو).
[641]:- في ب: عدلت إلى: لعرفوا.
[642]:- في ب: عدلت إلى ولخافوا.
[643]:- زيادة من هامش ب، لم يتضح أولها وقد نقلته من طبعة السلفية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ} (7)

ولما كان من المشاهد أن لهم عقولاً راجحة وأفكارا صافية ، وأنظارا صائبة ، فكانوا بصدد أن يقولوا : إن علمنا أكبر{[52643]} من علمكم ، كان كأنه قيل بياناً لأنه يصح سلب ما ينفع{[52644]} من العلم بتأديته إلى السعادة الباقية ، وتنبيهاً على أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا : نعم { يعلمون } ولكن { ظاهراً } أي واحداً{[52645]} { من } التقلب في { الحياة الدنيا } وهو ما أدتهم إليه حواسهم وتجاربهم إلى ما يكون سبباً للتمتع بزخارفها{[52646]} والتنعم بملاذها ، قال الحسن : إن{[52647]} أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ولا يخطىء وهو لا يحسن{[52648]} يصلي - انتهى . وأمثال هذا لهم كثير ، وهو وإن كان عند أهل الدنيا عظيماً فهو عند الله حقير ، فلذلك حقره لأنهم ما زادوا فيه على{[52649]} أن ساووا البهائم في إدراكها ما ينفعها فتستجلبه بضروب من الحيل ، و{[52650]} ما يضرها فتدفعه بأنواع من الخداع ، وأما علم باطنها{[52651]} وهو أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها بالطاعة ، فهو ممدوح منبه عليه بوصفها بما يفهم الأخرى .

ولما ذكر حالهم في الدنيا ، أتبعه ذكر{[52652]} اعتقادهم في الآخرة ، مؤكداً إشارة إلى أن الحال يقتضي إنكار أن يغفل أحد عنها ، لما لها من واضح الدلائل أقربه أن اسم ضدها يدل عليها ، لأنه لا تكون دنيا{[52653]} إلا في مقابلة قصياً ، ولا أولى إلا بالنسبة إلى أخرى ، فقال : { وهم } أي هؤلاء الموصوفون خاصة { عن الآخرة } التي هي المقصود بالذات وما خلقت الدنيا إلا للتوصل بها إليها ليظهر الحكم بالقسط وجميع صفات العز والكبر والجلال والإكرام { هم غافلون* } أي في غاية الاستغراق والإضراب عنها بحيث لا يخطر في خواطرهم ، فصاروا لاستيلاء الغفلة عليهم إذا ذكرت لهم كذبوا بها ، واستهزؤوا بالمخبر ، ولم يجوزوها نوع تجويز مع أن دلائلها تفوت الحصر ، وتزيد على العد ، فصاروا{[52654]} كأنهم مخصوصون بالغفلة عنها من بين سائر الناس ومخصصون لها بالغفلة من بين سائر الممكنات ، فلذلك لا يصدقون الوعد بإدالة الروم لما رسخ في نفوسهم من أن{[52655]} الأمور تجري بين العباد على غير قانون الحكمة ، لأنهم كثيراً{[52656]} ما يرون الظالم يموت ولم{[52657]} يقتص منه ، وهم في غفلة عن أنه{[52658]} أخر جزاؤه إلى يوم الدين ، يوم يكشف الجبار{[52659]} حجاب الغفلة ويظهر عدله وفضله ، وتوضع الموازين القسط ، فتطيش بمثاقيل الذر ، ويقتص للمظلومين من الظالمين ، ومن أريد القصاص منه عاجلاً فعل ، وقضية الروم هذه من ذلك ، وهذا السياق يدل على أنه لا حجاب عن{[52660]} العلم أعظم من التكذيب بالآخرة ، ولا شيء أعون عليه من التصديق بها والاهتمام بشأنها ، لأن ذلك حامل{[52661]} على طلب الخلاص{[52662]} في ذلك اليوم ، وهو لا يكون على{[52663]} أتم الوجوه إلا لمن وصل إلى حالة المراقبة ، وذلك لا يكون إلا لمن علم إما بالكشف أو الكسب كل علم فلم يتحرك حركة إلا بدليل يبيحها له ويحمله عليها ، وبهذا التقرير يظهر أن هاتين الجملتين بكمالهما{[52664]} علة لنفي العلم عنهم ، والمعنى أن العلم منفي عنهم لما شغل قلوبهم من هذا الظاهر في حال غفلتهم عن الآخرة ، فانسد عليهم باب العلم - والله الموفق .


[52643]:من ظ ومد، وفي الأصل: أكثر.
[52644]:في ظ ومد: ما لا ينفع.
[52645]:من ظ ومد، وفي الأصل: واحد.
[52646]:من ظ ومد، وفي الأصل: بزخرفها.
[52647]:زيد من ظ ومد ومعالم التنزيل بهامش اللباب 5/118.
[52648]:زيد في المعالم: أن.
[52649]:من ظ ومد، وفي الأصل: إلى.
[52650]:زيد من ظ ومد.
[52651]:من ظ ومد، وفي الأصل: بإظهار.
[52652]:زيد من ظ ومد.
[52653]:سقط من ظ.
[52654]:في ظ ومد: فكانوا.
[52655]:زيد من ظ ومد.
[52656]:من مد، وفي الأصل وظ: كثير.
[52657]:من مد، وفي الأصل وظ: لا.
[52658]:زيد من مد.
[52659]:من مد، وفي الأصل: الجبابرة، وفي ظ: عن ساق ـ كذا.
[52660]:من ظ ومد، وفي الأصل: من.
[52661]:من ظ ومد، وفي الأصل: حايل.
[52662]:من ظ ومد، وفي الأصل: الإخلاص.
[52663]:من ظ ومد، وفي الأصل: في.
[52664]:من ظ ومد، وفي الأصل: بكمالها.