الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

قوله تعالى : " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " قال أبو ثابت : دخل رجل المسجد . فقال اللهم ارحم غربتي وآنس وحدتي ويسر لي جليسا صالحا . فقال أبو الدرداء : لئن كنت صادقا فلأنا أسعد بذلك منك ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " قال فيجيء هذا السابق فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام ويوبخ ويقرع ثم يدخل الجنة فهم الذين قالوا : " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " وفي لفظ آخر وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين يتلقاهم{[13160]} الله برحمته فهم الذين يقولون " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور إلى قوله " ولا يمسنا فيها لغوب " . وقيل : هو الذي يؤخذ منه في مقامه ، يعني يكفر عنه بما يصيبه من الهم والحزن ، ومنه قوله تعالى " من يعمل سوءا يجز به " {[13161]} [ النساء : 123 ] يعني في الدنيا . قال الثعلبي : وهذا التأويل أشبه بالظاهر ؛ لأنه قال : " جنات عدن يدخلونها " ، ولقوله : " الذين اصطفينا من عبادنا " والكافر والمنافق لم يصطفوا .

قلت : وهذا هو الصحيح ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ، ريحها وطيب وطعمها مر . فأخبر أن المنافق يقرؤه ، وأخبر الحق سبحانه وتعالى أن المنافق في الدرك الأسفل من النار ، وكثير من الكفار واليهود والنصارى يقرؤونه في زماننا هذا . وقال مالك : قد يقر القرآن من لا خير فيه . والنصب : التعب . واللغوب : الإعياء


[13160]:كذا في ش و ح. وفي ب. و ك:" يتلافاهم".
[13161]:راجع ج 5 ص 396.

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ} (35)

قوله : { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ } يحمدون الله الذي أنزلهم { دَارَ الْمُقَامَةِ } أي دار الإقامة الدائمة التي لا نقلة منها ولا تحوّل عنها وهي الجنة ، دار البقاء المستديم الذي لا يفنى ولا يزول { مِنْ فَضْلِهِ } أي من إفضاله وجزيل عطائه وواسع رحمته .

قوله : { لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } النصب ، معناه التعب{[3872]} واللغوب ، معناه الإعياء والعناء{[3873]} . أي يحمدون الله أنْ أنزلهم الجنة حيث الأمن والسعادة والقرار الدائم فلا يصيبهم فيها تعب من أتعاب الدنيا . قال الزمخشري في الفرق بين النصب واللغوب : النَصَب نفس المشقة والتعب . أما اللغوب فما يلحق الناصب المتْعَب من الفتور بسبب النصب . أو ما يعقب التعب من الكلال{[3874]} .


[3872]:مختار الصحاح ص 661
[3873]:أساس البلاغة ص 567
[3874]:الكشاف ج 3 ص 310 وتفسير الطبري ج 22 ص 91 وتفسير ابن كثير ج 3 ص 557