الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ} (81)

ثم قال تعالى محتجا : " أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم " أي أمثال المنكرين للبعث . وقرأ سلام أبو المنذر ويعقوب الحضرمي : " يقدر على أن يخلق مثلهم " على أنه فعل . " بلى " أي إن خلق السموات والأرض أعظم من خلقهم ، فالذي خلق السموات والأرض يقدر على أن يبعثهم . " وهو الخلاق العليم " وقرأ الحسن باختلاف عنه " الخالق " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ} (81)

ولما كان التقدير : أليس الذي قدر على ذلك بقادر على ما يريد من إحياء العظام وغيرها ، عطف عليه ما هو أعظم شأناً منه تقريراً على الأدنى بالأعلى فقال : { أوليس الذي خلق } أي أوجد من العدم وقدر { السماوات والأرض } أي على كبرهما وعظمتهما وعظيم ما فيهما من المنافع والمصانع والعجائب والبدائع ، وأثبت الجار تحقيقاً للأمر وتأكيداً للتقرير فقال : { بقادر } أي بثابت له قدرة لا يساويها قدرة ، ومعنى قراءة رويس عن يعقوب بتحتانية مفتوحة وإسكان القاف من غير ألف ورفع الراء أنه يجدد تعليق القدرة على سبيل الاستمرار { على أن يخلق } ولفت الكلام إلى الغيبة إيذاناً بأنهم صاروا بهذا الجدل أهلاً لغاية الغضب فقال : { مثلهم } أي مثل هؤلاء الأناسي أي يعيدهم بأعيانهم كما تقول : مثلك كذا أي أنت ، وعبر به إفهاماً لتحقيرهم وأن إحياء العظام الميتة أكثر ما يكون خلقاً جديداً ، بل ينقص عن الاختراع بأن له مادة موجودة ، وعبر بضمير الجمع لأنه أدل على القدرة ، قال الرازي : والقدرة عبارة عن المعنى الذي به يوجد الشيء مقدراً بتقدير الإرادة والعلم واقعاً على وفقهما وإن كانت صفات الله تعالى أعلى من أن يطمحها نظر عقل ، وتلحقها العبارات اللغوية ، ولكن غاية القدرة البشرية واللغة العربية هذا .

ولما كان الجواب بعد ما مضى من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة الاعتراف ، قال سبحانه مقرراً لما بعد النفي إشارة إلى أنه تجب المبادرة إليه ، ولا يجوز التوقف فيه ومن توقف فهو معاند : { بلى } أي هو قادر على ذلك { وهو } مع ذلك أي كونه عالماً بالخلق { الخلاق } البالغ في هذه الصفة مطلقاً في تكثير الخلق وتكريره بالنسبة إلى كل شيء ما لا تحيط به الأوهام ، ولا تدركه العقول والأفهام ، ولم ينازع أحد في العلم بالجزئيات بعد كونها ، كما نازعوا في القدرة على إيجاد بعض الجزئيات ، فاكتفى فيه بصيغة فعيل فقيل : { العليم * } أي البالغ في العلم الذي هو منشأ القدرة ، فلا يخفى عليه كلي ولا جزئي في ماضٍ ولا حال ولا مستقبل شاهد أو غائب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ} (81)

قوله تعالى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ( 81 ) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 82 ) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

ذلك برهان من الله للمشركين والمرتابين والمنافقين الذين يكذبون بيوم القيامة ، وما فيها من بعث للموتى وتلاقيهم في الحشر للحساب . برهان ظاهر ومعقول تعيه القلوب والفِطَر وتستيقنه الأذهان والمدارك . برهان ساطع وميسور لا لبس فيه ولا تعسير { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } ومعلوم لكل ذي عقل أن السماوات والأرض شيء عظيم . بل إنهما في غاية السعة والضخامة وذلك بما فيهما وما بينهما من خلائق وكائنات وأشياء لا تحصى عددا . وكذلك ما يشدهما ويجمعهما ويؤلف بينهما من نظام كوني مذهل ونواميس أساسية مركوزة لا تتخلف . كل أولئك يدل على عظمة السماوات والأرض وأن خلقهما يفوق تصور البشر . أفليس الذي خلق ذلك بقادر على خلق الإنسان من جديد ، وإعادته كرة ثانية بعد الموت . بل إن خلْقَ الإنسان مرة أخرى وإحياؤه من الرميم والرفات يوم المعاد لهو أهون وأصغر من خلْق هذا الكون الهائل الشامل المديد .

قوله : { بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ } ذلك جواب من الله يدفع فيه تخريص الكافرين المكذبين بيوم الدين ، ويؤكد فيه قدرته على الإعادة في يوم المعاد . فهو سبحانه { الْخَلاَّقُ } صيغة مبالغة لكثرة مخلوقاته { الْعَلِيمُ } عليم بكل شيء وعليم بخلق الكائنات وخلْق الإنسان ولا يفوت علمه من ذلك شيء .