الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه " أي ونسي أنا أنشأناه من نطفة ميتة فركبنا فيه الحياة . أي جوابه من نفسه حاضر ؛ ولهذا قال عليه السلام : ( نعم ويبعثك الله ويدخلك النار ) ففي هذا دليل على صحة القياس ؛ لأن الله جل وعز احتج على منكري البعث بالنشأة الأولى . " قال من يحيى العظام وهي رميم " أي بالية . رم العظم فهو رميم ورمام . وإنما قال رميم ولم يقل رميمة ؛ لأنها معدولة عن فاعلة ، وما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن إعرابه ؛ كقول : " وما كانت أمك بغيا " [ مريم : 28 ] أسقط الهاء ؛ لأنها مصروفة عن باغية .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

ولما كان التقدير : فبعد - مع أنا تفردنا بالإنعام عليه - عيرنا وخاصم - بما خلقناه له من اللسان وآتيناه من البيان - رسلنا وجميع أهل ودنا ، عطف عليه قوله مقبحاً إنكارهم البعث تقبيحاً لا يرى أعجب منه ، ولا أبلغ ولا أدل على التمادي ، في الضلال والإفراط في الجحود وعقوق الأيادي : { وضرب } أي هذا الإنسان ؛ وسبب النزول أبي بن خلف الجمحي الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد مبارزة ، فهو المراد بهذا التبكيت بالذات وبالقصد الأول { لنا } أي على ما يعلم من عظمتنا { مثلاً } أي آلهته التي عبدها لكونها لا تقدر على شيء مكابراً لعقله في أنه لا شيء يشبهنا { ونسي } أي هذا الذي تصدى على نهاية أصله لمخاصمة الجبار ، وأبرز صفحته لمجادلته ، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الذهول ، وأن بكون بمعنى الترك { خلقه } أي خلقنا لهذا المخاصم الدال على كمال قدرتنا ، وأن آلهته التي أشرك بها لا تقدر على شيء ، فافترق الحال الذي جمعه بالمثل أيّ افتراق ، وصارا مقولاً له : يا قليل الفطنة ! أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ أفلا تذكرون ؟ ثم استأنف الإخبار عن هذا المثل بالإخبار عن استحالته لأن يقدر أحد على إحياء الميت كما أن معبوداته لا تقدر على ذلك فقال : { قال } أي على سبيل الإنكار : { من يحيي } .

ولما كانت العظام أصلب شيء وأبعده عن قبول الحياة لا سيما إذا بليت وأرفتت قال : { العظام وهي } ولما أخبر عن المؤنث باسم لما بلي من العظام غير صفة ، لم يثبت تاء التأنيث فقال : { رميم * } أي صارت تراباً يمر مع الرياح .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } المراد بالمثل المضروب ، تفتيت العظام . فقد فتّه بيده وذَراهُ في الهواء مستنكرا مكذبا وقد نسي أن خَلْقَهُ من ماء مهين مستقذر لهو أشدُّ هوانا من العظام النَّخِرة البالية ، وهو يسأل { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } الرميم ، اسم لما بَلِيَ من العظام ؛ أي يسأل الإنسان الجاحد في تكذيب واستسخار : من ذا الذي يحيي هذه العظام بعد أن رمَّت وصارت رفاتا .