يجوز أن تكون " لا " زائدة ، كما تقدم في " لا أقسم بيوم القيامة " {[16066]} [ القيامة : 1 ] . قاله الأخفش . أي أقسم لأنه قال : " بهذا البلد " وقد أقسم به في قوله : " وهذا البلد الأمين " [ التين : 3 ] فكيف يَجْحَد القسم به وقد أقسم به . قال الشاعر :
تذكَّرْتُ ليلَى فاعْتَرَتْنِي صَبَابَة *** وكاد صميمُ القلبِ لا يَتَقَطَّعُ
أي يتقطع ، ودخل حرف " لا " صلة ، ومنه قوله تعالى : " ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك{[16067]} " [ الأعراف : 12 ] بدليل قوله تعالى في " ص ] : " ما منعك أن تسجد{[16068]} " . [ ص : 75 ] . وقرأ الحسن والأعمش وابن كثير " لأقسم " من غير ألف بعد اللام إثباتا . وأجاز الأخفش أيضا أن تكون بمعنى " ألا " . وقيل : ليست بنفي القسم ، وإنما هو كقول العرب : لا والله لا فعلت كذا ، ولا والله ما كان كذا ، ولا والله لأفعلن كذا . وقيل : هي نفي صحيح . والمعنى : لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه ، بعد خروجك منه . حكاه مكي . ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : " لا " رد عليهم . وهذا اختيار ابن العربي ؛ لأنه قال : وأما من قال إنها رد ، فهو قول ليس له رد ؛ لأنه يصح به المعنى ، ويتمكن اللفظ والمراد . فهو رد لكلام من أنكر البعث ثم ابتدأ القسم . وقال القشيري : قوله " لا " رد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة ، المغرور بالدنيا . أي ليس الأمر كما يحسبه ، من أنه لن يقدر عليه أحد ، ثم ابتدأ القسم . و " البلد " : هي مكة ، أجمعوا عليه . أي أقسم بالبلد الحرام الذي أنت فيه ، لكرامتك علي وحبي لك . وقال الواسطي أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حيا ، وبركتك ميتا ، يعني المدينة . والأول أصح ؛ لأن السورة نزلت بمكة باتفاق .
لما ختم كلمات الفجر بالجنة التي هي أفضل الأماكن التي يسكنها الخلق ، لا سيما المضافة إلى اسمه الأخص المؤذن بأنها أفضل الجنان ، بعد ما ختم آياتها بالنفس المطمئنة بعد ذكر الأمارة التي وقعت في كبد الندم الذي يتمنى لأجله العدم ، بعد ما تقدم من أنها لا تزال في كبد ابتلاء المعيشة في السراء والضراء ، افتتح هذه بالأمارة مقسماً في أمرها بأعظم البلاد وأشرف أولي الانفس المطمئنة ، فقال مؤكداً بالنافي من حيث إنه ينفي ضد ما ثبت من مضمون الكلام مع القطع بأنه لم يقصد به غير ذلك : { لا أقسم } أي أقسم قسماً أثبت مضمونه وأنفي ضده ، ويمكن أن يكون النفي على ظاهره ، والمعنى أن الأمر في الظهور غني عن الإقسام حتى بهذا القسم الذي أنتم عارفون بأنه في غاية العظمة ، فيكون كقوله
{ فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم }[ الواقعة : 86 ] { بهذا البلد * } أي الحرام وهو مكة التي لا يصل إليها قاصدوها إلا بشق الأنفس ، ولا يزدادون لها مع ذلك إلا حباً ، الدال على أن الله تعالى جعلها خير البلاد ، وقذف حبها في قلوب من اختارهم من كل حاضر وباد ، لأنها تشرفت في أولها وآخرها وأثنائها بخير العباد ، ولم يصفه بالأمن لأنه لا يناسب سياق المشقة بخلاف ما في التين ، فإن المراد هناك الكمالات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.