اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَآ أُقۡسِمُ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي عشرون آية ، واثنتان وثمانون كلمة ، وثلاثمائة وعشرون حرفا .

قوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد } : يجوز أن تكون «لا » : زائدة ، كما تقدم في : «لا أقسم بيوم القيامة » ، قاله الأخفش : أي : أقسم ؛ لأنه قال : «بهذا البلد » ، وقد أقسم به في قوله : { وهذا البلد الأمين } [ التين : 3 ] ، فكيف يجوز القسمُ به ، وقد أقسم به سبحانه ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]

5210- تَذَكَّرتُ لَيْلَى فاعْتَرَتْنِي صَبابَةٌ*** وكَادَ صَمِيمُ القَلْبِ لا يَتَقطَّعُ{[60195]}

أي : يتقطع ، ودخل حرف «لا » : صلة ، ومنه قوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [ الأعراف : 12 ] وقد قال تعالى في سورة «ص » : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } [ ص : 75 ] .

وقرأ الحسن والأعمش{[60196]} وابن كثير : «لأُقْسِمُ » من غير ألفٍ بعد اللام إثباتاً .

وأجاز الأخفش أيضاً ، أن تكون بمعنى : «ألا » .

وقيل : ليست بنفي القسم ، ، وإنما هو كقول العرب : لا والله لا فعلت كذا ، ولا والله ما كان كذا ، لا والله لأفعلن كذا .

وقيل : هي نفي صحيح ، والمعنى : لا أقسم بهذا البلد ، إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه . حكاه مكيٌّ ، ورواه ابنُ أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ ، قال : «لا » : رد عليهم ، وهذا اختيار ابن العربي ، لأنه قال : «وأما من قال : إنها رد ، فهو قول ليس له رد ؛ لأنه يصح به المعنى ، ويتمكن اللفظ والمراد » .

فهو رد لكلام من أنكر البعث ، ثم ابتدأ القسم .

وقال القشيريُّ : قوله : «لا » رد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة ، المغرور في الدنيا ، أي : ليس الأمر كما تحسبه من أنه لم يقسم عليه أحد ، ثم ابتدأ القسم ، وأجمعوا على أنَّ المراد بالبلد : مكَّة المشرفة ، أي : أقسم بالبلد الحرام ، الذي أنت فيه ، لكرامتك عليَّ وحبي لك .


[60195]:ينظر: القرطبي 20/40.
[60196]:ينظر: المحرر الوجيز 5/483.